للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عُمَرُ: وَاعُمَرَاهُ مَنْ يَتَوَلاهَا بِمَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ سَلَتَ اللهُ أَنْفَهُ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ. قَالَ. فَأَخَذَ الْمَنْدِيلَ فَوَضَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ بَكَى وَانْتَحَبَ حَتَّى أَبْكَانِي.

ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَأَلَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِمَارَةَ مَكَّة أَوْ الطَّائِف أَوْ الْيَمَن، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا عَبَّاسٌ يَا عَمَّ النَّبِيِّ نَفْسٌ تُحْيِيهَا خَيْرٌ مِنْ أَمَارَةٍ لا تُحْصِيهَا» . نَصْيحَةٌ مِنْهُ لِعَمِّهِ وَشَفَقَةٌ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لا يُغْنِي عَنْهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ، فَقَالَ: «يَا عَبَّاسُ وَيَا صَفِيَّةُ وَيَا فَاطِمَةُ بِنْت مُحَمَّدٍ إِنِّي لَسْتُ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنَّ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ» . وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لا يَقْسِمُ أَمْرَ النَّاسِ إِلا حَصِيفُ الْعَقْلِ أَرِيبُ الْعَقَدِ، لا يَطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ، لا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى حُرَّةٍ، وَلا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وَقَالَ: الأُمَرَاءُ أَرْبَعَةٌ: فَأَمِيرٌ قَوِي ظَلفَ نَفْسَهُ وَعُمَّالَهُ، فَذَلِكَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ يَدُ اللهِ بَاسِطَةٌ عَلَيْهِ الرَّحْمَة. وَأَمِيرٌ فِيهِ ضَعْفٌ ظَلفَ نَفْسَهُ وَأَرْتَعَ عُمَّالَهُ لِضَعْفِهِ، فَهُوَ عَلَى شَفَاءِ هَلاكٍ إِلا أَنْ يَرْحَمَهُ اللهُ، وَأَمِيرٌ ظَلفَ عُمَّالُهُ لِضَعْفِهِ وَارْتَعَ نَفْسَهُ فذَلِكَ الْحُطَمَة، الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «شَرُّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ» . فَهُوَ الْهَالِكُ وَحْدَهُ، وَأَمِيرٌ أَرْتَعَ نَفْسهُ وَعُمَّالُهُ فَهَلَكُوا جَمِيعًا.

وقَدْ بَلَغَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَتَيْتُكَ حِين أَمَرَ اللهُ بِمُنَافِخِ النَّارِ فَوُضِعَتْ عَلَى النَّارِ تُسَعَّرُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ لَهُ: «يَا جِبْرِيلُ صِفْ لِيَ النَّارَ» . فَقَالَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهَا فَأَوْقَدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أَوْقَدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اصْفَرَّتْ، ثُمَّ أَوْقَدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَتْ، فَهِيَ سَوْدَاءٌ مٌظْلِمَةٌ، لا يُضِئُ جَمْرُهَا، وَلا يُطْفَأُ لَهَبُهَا، والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>