للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيابِ أَهْلِ النَّارِ أُظْهِرَ لأَهْلِ الأَرْضِ لَمَاتُوا جَمِيعًا وَلَوْ أَنَّ ذَنُوبًا مِنْ شَرَابِهَا صُبَّ فِي مِيَاهِ الأَرْضِ جَمِيعًا قَتَلَ مَنْ ذَاقَهُ، وَلَوْ أَنْ ذِرَاعًا مِنَ السّلْسلَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ وُضِعَ عَلَى جِبَالِ الأَرْضِ جَمِيعًا لَذَابَتْ وَمَا اسْتَقَلَّتْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ادْخِلَ النَّارَ ثُمَّ أُخْرِجَ مَنْهَا لَمَاتَ أَهْلُ الأَرْضِ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِ وَتَشْوِيهِ خَلْقِهُ وَعِظَامِهِ. فَبَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَكَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِبُكَائِهِ؟ فَقَالَ: أَتَبْكِي يَا مُحَمَّدٌ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخْرَ، فَقَالَ: «أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، وَلَمْ بَكَيْتَ يَا جِبْرِيلُ وَأَنْتَ الرُّوحُ الأَمِينُ أَمِينُ الله عَلَى وَحْيِهِ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُبْتَلِي بِمَا ابْتُلِي بِهِ هَارُوتٌ وَمَارُوتُ، فَهُو الَّذِي مَنَعَنِي مِنَ اتِّكَالِي عَلَى مَنْزِلَتِي عِنْدَ رَبِّي، فَأَكُونُ قَدْ أَمِنْتُ مَكْرَهُ، فَلَمْ يَزَالا يَبْكِيانِ حَتَّى نُودِيَا مِنَ السَّمَاءِ، يَا جِبْرِيلُ، وَيَا مُحَمَّدٌ إِنَّ اللهَ قَدْ أَمْكَنَكُمَا أَنْ تَعْصِيَاهُ، فَيُعَذِبَاكُمَا، وَفَضْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ كَفَضْلِ جَبْرِيلِ عَلَى سَائِرِ الْمَلائِكَةِ.

وقَدْ بَلَغَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُبَالِي إِذَا قَعَدَ الْخِصْمَانِ بَيْنَ يَدَيّ عَلَى مَنْ مَالَ الْحَقُّ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، فَلا تُمْهِلْنِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَشَدَّ الشِّدَّةِ الْقِيامُ للهِ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ أَكْرَمَ الْكَرَمِ عَنْ الله التَّقْوَى، وَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْعِزَّ بِطَاعَةِ اللهِ رَفَعَهُ اللهُ وَأَعَزَّهُ. وَمَنْ طَلَبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ أَذَلَّهُ، وَوَضَعَهُ، فَهَذِهِ نَصِيحَتِي إِلَيْكَ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ، ثُمَّ نَهَضْتُ. فَقَالَ لِي: إِلَى أَيْنَ؟ فَقُلْتُ: إِلَى الْوَلَدِ وَالْوَطَنِ، بِإِذْنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شَاءَ اللهُ. فَقَالَ: قَدْ أَذِنْتَ لَكَ، وَشَكَرْتُ لَكَ نَصِيحَتُكَ، وَقَبِلْتُهَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلْخَيْرِ وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ، وَبِهِ أَسْتَعِينُ، وَعَلَيْهِ أَتَوَكَلُ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيل فَلا تَخْلني بِمُطَالَعَتِكَ إِيَّايَ، بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّكَ الْمَقْبُولُ الْقَوْلَ غَيْرُ الْمُتَهَم فِي النَّصِيحَةِ. قُلْتُ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>