ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ذَوُو الْقُدْرَةِ وَالثَّرْوَةِ مِنْ رَعِيَّتِكَ لِيَنَالُوا ظُلْمَ مَنْ دُونَهِمْ مِنَ الرَّعِيَّةِ فَامْتَلأَتْ بِلادُ اللهِ بِالطَّمَعِ بَغْيًا وَفَسَادًا وَصَارَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ شُرَكَاءَكَ فِي سُلْطَانِكَ وأَنْتَ غَافِلٌ.
فَإِنْ جَاءَ مُتَظِّلِمُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ إِلَيْكَ وَإِنْ أَرَادَ رَفْعَ صَوْتَهُ أَوْ قِصَّتَهُ إِلَيْكَ عِنْدَ ظُهُورِكَ وَجَدَكَ قَدْ نَهِيتَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَّفْتَ لِلنَّاسِ رَجُلاً يَنْظُرُ فِي مَظَالِمِهِمْ، فَإِنَّ جَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَبَلَّغَ بِطَانَتُكَ سَأَلُوا صَاحِبَ الْمَظَالِمِ أَنْ لا يَرْفَعَ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُتَظَلِّمِ بِهِ حُرْمَةٌ وَإِجَابَةٌ لَمْ يُمَكِّنَهُ مِمَّا يُرِيدُ خَوْفًا مِنْهُمْ.
فَلا يَزَالُ الْمَظْلُومُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَيَلُوذُ بِهِ وَيَشْكُو، وَيَسْتَغِيثُ وَهُوَ يَدْفَعُهُ وَيَعْتَلِي عَلَيْهِ، فَإِذَا جَهِدَ، وَأُخْرِجَ وَظَهَرْتَ صَرَخَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَيُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، لِيَكُونَ نَكَالاً بِغَيْرِهِ، وَأَنْتَ تَنْظُرُ، وَلا تُنْكِرُ وَلا تُغْنِي، فَمَا بَقَاءُ الإِسْلامِ وَأَهْلهِ عَلَى هَذَا.
وَلَقَدْ كَانَ بَنُو أُمَيَّة وَكَانَتْ الْعَرَبُ لا يَنْتَهِي إِلَيْهُمْ الْمَظْلُومُ إِلا رُفِعَتْ ظَلامَتُهُ إِلَيْهِمْ، فَيُنْصَفُ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ أَقْصَى الْبِلادِ حَتَّى يَبْلُغَ بَابَ سُلْطَانِهِمْ، فَيُنَادِي يَا أَهْلِ الإِسْلامِ فَيَبْتَدِرُونَهُ مَا لَكَ؟ فَيَرْفَعُونَ مَظْلَمَتَهُ إَلَى سُلْطَانِهِمْ فَيُنْصِفُ.
ولَقَدْ كُنْتُ أَسَافِرُ إِلَى أَرْضِ الصِّين وَبِهَا مَلِكٌ فَقَدِمْتُهَا مَرَّةٌ وَقَدْ ذَهَبَ سَمْعُ مَلِكِهِمْ، فَجَعَلَ يَبْكِي. فَقَالَ وُزَرَاؤهُ: مَا لَكَ تَبْكِي لا بَكَتْ عَيْنَاكَ.
فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَبْكِي عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِي، وَلَكْنْ أَبْكِي لِمَظْلُومٍ يَصْرُخُ بِالْبَابِ فَلا أَسْمَعُ صَوْتَهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنْ كَانَ ذَهَبَ سَمْعِي فَإِنَّ بَصَرِي لَمْ يَذْهَبْ، نَادُوا فِي النَّاسِ أَلا لا يَلْبِسُ ثَوْبًا أَحْمَرَ إِلا مَظْلُومًا، فكَانَ يَرْكَبُ الْفِيلَ وَيَطُوفُ النَّهَارَ هَلْ يَرَى مَظْلُومًا فَيُنْصِفَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute