وَإِلا اقْتَصَرْتُ عَلَى نَفْسِي فَفِيهَا لِي شُغْلٌ شَاغِلٌ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ آمِنٌ عَلَى نَفْسِكَ. فَقَالَ الَّذِي دَخَلَهُ الطَّمَعُ حَتَّى حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ وَإِصْلاحِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْبَغْيِ وَالْفَسَاد فِي الأَرْضِ أَنْتَ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ يَدْخُلُنِي الطَّمَعُ وَالصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ فِي يَدِي وَالْحُلْوَ وَالْحَامِضَ فِي قَبْضَتِي؟ قَالَ: وَهَلَ دَخَلَ أَحَدًا مِنَ الطَّمَعَ مَا دَخَلَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى اسْتَرْعَاكَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَغْفَلْتَ أُمُورَهُمْ وَاهْتَمَمْتَ بِجَمْعِ أَمْوَالَهُمْ. وَجَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا مِنْ الْجِصَّ، وَالآجُرِ وَأَبْوابًا مِنَ الْحَدِيدِ وَحَجَبَةً مَعَهُمْ السِّلاحُ ثُمَّ سَجَنْتَ نَفْسَكَ فِيهَا عَنْهُمْ وَبَعَثْتَ عُمْالَكَ فِي جَمْعِ الأَمْوَالِ وَجِبَايَتِهَا. وَاتَّخَذْتَ وُزَرَاءَ وَأَعْوَانًا ظَلَمَةً إِنْ نَسِيتَ لَمْ يُذَكِّرُوكَ وَإِنْ ذَكَرَتَ لَمْ يُعِينُوكَ وَقَوَّيْتَهُمَ عَلَى ظُلْمِ النَّاسِ بِالأَمْوَالِ وَالْكِرَاعِ، وَالسِّلاحِ وَأَمَرْتَ بِأَنْ لا يَدْخُلَ عَلَيْكَ مِنَ النَّاسِ إِلا فُلانٌ وَفُلانٌ سَمَيْتَهُمْ وَلَمْ تَأْمُرْ بِإِيصَالِ الْمَظْلُومِ وَالْمَلْهُوفِ وَلا الْجَائِعِ وَلا الْعَارِي وَلا الضَّعِيفِ وَلا الْفَقِيرِ َوَلا أَحَدٌ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ.
فَلَمَّا رَآكَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَآثَرْتَهُمْ عَلَى رَعِيَّتِكَ وَأَمَرْتَهُمْ أَنْ لا يُحْجِبُوا عَنْكَ تُجْبِي الأَمْوَال وَلا تُقَسِّمُهَا قَالُوا: هَذَا قَدْ خَانَ اللهَ فَمَا لَنَا لا نَخُونُهُ وَقَدْ سُخِّرَ لَنَا.
فَائْتَمَرُوا عَلَى أَنْ لا يَصِلَ إِلَيْكَ مِنْ عِلْمِ أَخْبَارِ النَّاسِ إِلا مَا أَرَادُوا وَأَنْ لا يَخْرُجُ لَكَ عَامِلٌ فَيُخَالِفُ لَهُمْ أَمْرًا إِلا أَقْصُوهُ حَتَّى تَسْقُطَ مَنْزِلَتهُ وَيَصْغَرُ قَدْرُهُ.
فَلَمَّا انْتَشَرَ ذَلِكَ عَنْكَ وَعَنْهُمْ، أَعْظَمُهُمْ النَّاسَ - وَهَابُوهُمْ وَكَانَ أَوْلُ مَنْ صَانَعَهُمْ عُمَّالَكَ بِالْهَدَايَا وَالأَمْوَالِ لِيَتَقَوُّوا بِهُمْ عَلَى ظُلْمِ رَعِيَّتِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute