قُلْتُ: للهِ درة حَيْثُ لَمْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ لِمَنْ يُعَظِّمُ الدُّنْيَا.
فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللهُ إِلَى شِدَّةِ وَرَعِهِمْ وَتَرَفُّعِهِمْ وَتَنَزّهمْ عَنْ مُخَالَطَةِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الدُّنْيَا، وَصِيانَةِ الْعِلْمِ وَإِعْزَازِهِ وَبِمِثْلِ هَذِهِ الأَخْلاق الْعَطِرَة وَالصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ عَظُمَ الإِسْلام وَأَهْله.
دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى الْمَأْمُونِ كَانَ يِمْشِي فِي النَّاسِ فَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ، فَاسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ وَقَالَ لَهُ: لِمَ تَأْمُرُ وَتُنْهَى وَقَدْ جَعَلَ اللهُ ذَلِكَ إِلَيْنَا وَنَحْنُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} .
فَقَالَ الرَّجُلُ: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ كَمَا وَصَفْتَ نَفْسَكَ مِنَ السُّلْطَانِ وَالتَّمَكُّنِ غَيْرَ أَنَّا أَوْلِيَاؤُكَ وَأَعْوَانُكَ فِيهِ.
وَلا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلا مَنْ جَهِلَ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ الله جَلَّ وَعَلا وَتَقَدَّسَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} ، وَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:" المُؤْمِن للمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» . فَأَعْجَبَ الْمَأْمُونُ بِكَلامِهِ وَسُرَّ بِهِ وَقَالَ: مِثْلُكَ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ فَإمْضِ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ بِأَمْرِنَا وَعَنْ رَأْيِنَا. وَهَكَذَا حِين أَحْسَنَ الرَّجُلَ الاحْتِجَاج بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ انْقَطَعَتْ حُجَّة الْمَأْمُونِ، وَلَمْ يَجِدُ بُدًّا مِنْ إِقْرَارِ الرَّجُلَ عَلَى طَرِيقَتِهِ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.
وَعَكْسُ هَذَا الرَّجُل دَخَلَ وَاعِظٌ عَلَى الْمَأْمُون فوعظه واغلظ عليه في القول فقال له المأمون: يَا رَجُل ارْفِقْ فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، وَأَمَرَهُ بِالرِّفْقِ.
بَعَثَ مُوَسَى وَهَارُون إِلَى فِرْعَون، فَأَوْصَاهُمَا بِقَوْلِهِ " {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute