للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، وَهُنَا كَانَ مَوْقِفُ الْمَأْمُونِ هُوَ الأَقْوَى لأَنَّ الدَلِيلَ مَعَهُ.

بَعَثَ الأَمِيرُ طَاهِر بن عَبْد اللهِ إِلَى مُحَمَّد بن رافع بِخَمْسَةِ آلافِ دِرْهَمْ عَلَى يَدِ رَسُولِهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْد صَلاة الْعَصْرِ وَهُوَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ مَعَ الْفِجْلِ، فَوَضَعَ كَيْس الدَّرَاهِم بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَ: بَعَثَ الأَمِيرُ طَاهِر بِهَذَا الْمَالِ إِلَيْكَ لِتُنْفِقَهُ عَلَى أَهْلِكَ. فَقَالَ: خُذْهُ خُذْهُ لا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ بَلَغَتْ رُؤُوس الْحِيطَان وَإِنَّمَا تَغْرُبُ بِعْدَ سَاعَةٍ وَأَنَا قَدْ جَاوَزْتُ الثَّمَانِينَ سَنَة إِلَى مَتَى أَعِيشُ.

فَرَدَّ الْمَالَ وَلَمْ يَقْبَلْ فَأَخَذَ الرَّسُولُ الْمَالَ وَذَهَبَ وَدَخَلَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنَهُ وَقَالَ: يَا أَبَتِ لَيْسَ لَنَا اللَّيْلَة خُبْزٌ. قَالَ: فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ خَلْفَ الرَّسُولَ لَيَرُدَّ الْمَالَ إِلَى صَاحِبِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَذْهَبَ ابْنَهُ خَلْفَ الرَّسُولِ فَيَأْخُذَ الْمَالَ، هَذَا مِنْ رَقَمِ وَاحِد فِي الزُّهْدِ.

وَقَالَ أَحَدُ الزُّهَادُ لِلْمَنْصُورِ: اذْكُرْ لَيْلَةً تَبِيتُ فِي الْقَبْرِ لَمْ تَبِتْ لَيْلَةً مَثْلَهَا، وَاذْكُرْ لَيْلَةً تَمخض عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا لَيْلَةَ بَعْدَهَا.

فَأَفْحَمَ الْمَنْصُور قَوْلُهُ فَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ فَرَدَّهُ وَقَالَ: لَوْ احْتَجْتُ إِلَى مَالِكَ مَا وَعَظْتُكَ. (للهِ دَرُّهُ مَا أَزْهَدُهُ بِالْحُطَامِ الْفَانِي) .

وَقَالَ لابْنِهِ لَمَّا وَلاهُ الْعَهْدَ: إسْتَدِمْ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ، وَالْقُدْرَةَ بِالْعَفْوِ، وَالنَّصْرَ بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّآلِفَ بِالطَّاعَةِ، وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ من الدُّنْيَا، وَنَصِيبَكَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَقَالَ لِلرَّبِيعِ: وَيْحَكَ لَقَدْ رَأَيْتُ مَنَامًا هَالَنِي رَأَيْتُ قَائِلاً وَقَفَ فِي بَابِ هَذَا الْقَصْرِ يَقُولُ:

كَأَنِّي بِهَذَا الْقَصْرُ قَدْ بَادَ أَهْلُهُ ... وَأَوْحَشَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَمَنَازِلُهُ

وَصَارَ رَئِيسُ الْقَصْرِ مِنْ بَعْدِ بَهْجَةٍ ... إِلَى جَدَثٍ يُبْنَى عَلَيْهِ جَنَادِلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>