للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدِرِ حَجَّ الرَّشِيدُ فَدَخَلَ الْكُوفَةَ فَرَكِبَ الأَمِينُ وَالْمَأْمُونُ إِلَى عِيْسَى ابن يُونُس فَحَدَثَهُمَا فَأَمَرَ لَهُ الْمَأْمُونُ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ.

فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَظَنَّ أَنَّهُ اسْتَقَلَّهَا، فَأَمَرَ لَهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَالَ عِيسَى: لا وَاللهِ ولا إهليلجه ولا شربة ماء عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ مَلأَتَ لِيَ هَذَا الْمَسْجِد ذَهَبًا إِلَى السَّقْفِ. للهِ دُرَّهُ هذا مِنْ رَقَمِ (١) فِي الزُّهْدِ.

طَلَبَ الْخَلِيفَةُ هُشَام بن عَبْد الملك ذَاتَ يَوْمٍ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا هُشَام ثُمَّ خَلَعَ نعَلَيْهِ وَجَلَسَ بِجَانِبِهِ.

فَغَضِبَ هُشَام وَهَمَّ بِقَتْلِهِ وَلَمَّا تَحَدَّقَ مَعَهُ وَجَدَهُ عَالِمًا كَبِيرًا.

فَلَمَّا انْتَهى الْحَدِيث عَاتَبَهُ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ سَمَّيْتَنِي بِاسْمِي وَلَمْ تُكَلِّمْنِي أَوْ تَدعُنِي بِالْخِلافَةِ وَخَلْعَتَ نعَلَيْكَ وَجَلَسْتَ بِجَانِبِي فَلَمْ فَعَلْتَ ذَلِكَ. قال له: لم أدعك بالخلافة لأن الناس لم ينتخبوك كلهم، وَسَميتك ولم أكنك، لأن الله جَلَّ وَعَلا وَتَقَدَّسَ نَادَى الأَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ، فَقَالَ: يَا عِيْسَى، يَا إِبْرَاهِيم، يا موسى، يَا نُوح، يَا دَاوُودُ. وَكَنَّى عَدُوَّهُ فَقَالَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} .

وَخَلَعْتُ نَعْلِي بِجَانِبِكَ وَأَنَا اخْلَعْهُمَا لَمَّا أَدْخُلُ بِيْتَ رَبِّي. وَجَلَسْتُ بِجَانِبِكَ لأَنِّي سَمِعْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يمثل لَهُ الرِّجَال قِيَامًا فَلْيَتَبَوَءُ مَقْعِدَهُ مِنَ النَّارِ» . فَكَرِهْتُ لَكَ النَّارَ فَأَمَرَ لَهُ هُشَام بِمَالٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَانْصَرَفَ.

تَأَمَّلْ يَا أَخِي هَذَا الْوَرَعُ عَنْ أَخْذِ شَيْء مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا عَلَى مَا حَدَّثَهما بِهِ وَقَالَ: لا يُتَحَدَّثُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّي أَكَلْتُ لِلسُّنَّةِ ثَمَنًا.

فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ يَأْكُلُ بِالْكُتُبِ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ بِاسْمِ تَحْقِيقٍ أَوْ نَشْرٍ وَيَحْتَكِرُهَا نَسْأَلَ اللهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة. نَعُوذُ بِاللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>