له: مَا أقدمك؟ قَالَ: خلعت قلبي بِكِتَابِكَ لا أَعُود إلى ولاية أبدًا حَتَّى ألقى الله عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ: فَبَكَى هارون بُكَاء شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: زدني رَحِمَكَ اللهُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن العَبَّاسَ عمّ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إلى النَّبِيّ فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ أمرني على إمارة فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إن الإمارة حَسْرَة وندامة يوم القيامة فَإِنَّ استطعت أن لا تَكُون أميرًا فافعل» .
فَبَكَى هارون بُكَاء شَدِيدًا وَقَالَ لَهُ: زدني رَحِمَكَ اللهُ فَقَالَ: يَا حسن الوجه أَنْتَ الَّذِي يسألك الله عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا الخلق يوم القيامة، فَإِنَّ استطعت أن تقي هَذَا الوجه من النار فافعل، وَإِيَّاكَ أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فَإِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:«من أصبح لَهُمْ غاشًا لم يرح رائحة الْجَنَّة» .
فَبَكَى هارون وَقَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دين؟ قَالَ: نعم دين لرَبِّي يحاسبَنِي عَلَيْهِ، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قَالَ: إِنَّمَا أعني دين العباد.
قَالَ: إن رَبِّي لم يأمرني بهَذَا، أمر رَبِّي أن أوحده وأطيع أمره، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} .
فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ ألف دينار خذها فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ وتقوى على عبادتك.
فَقَالَ: سبحان الله أَنَا أدلك على طَرِيق النجاة وأَنْتَ تكافئني بمثل هَذَا؟ سلمك الله ووفقك.
ثُمَّ صمت فَلَمْ يكلمنا فخرجنا من عنده فَلَمَّا صرنا على الْبَاب قَالَ هارون: أبا عَبَّاس إِذَا دللتني على رجل فدلني على مثل هَذَا، هَذَا سيد الْمُسْلِمِين.