للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخلت عَلَيْهِ امرأة من نسائه فقَالَتْ: يَا هَذَا قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فيه من ضيق الحال فلو قبلت هَذَا الْمَال فتفرجنا به. فَقَالَ لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كَانَ لَهُمْ بعير يأكلون من كسبه فَلَمَّا كبر نحروه فأكلوا لحمه.

فَلَمَّا سمَعَ هارون هَذَا الكلام قَالَ: ندخل فعَسَى أن يقبل الْمَال فَلَمَّا علم الفضيل خَرَجَ فجلس فِي السطح على باب الغرفة، فَجَاءَ هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينما نَحْنُ كَذَلِكَ إِذَا خرجت جارية سوداء فقَالَتْ: يَا هَذَا قَدْ أتعبت الشَّيْخ مُنْذُ اللَّيْلَة فانصرف رَحِمَكَ اللهُ. فانصرف. تأمل يَا أخي هل يوَجَد فِي زمننا من يَرُدُّ حطام الدُّنْيَا إِذَا عرض عَلَيْهِ، لا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ العلي العَظِيم. هَذَا الله وأعْلَمْ أَنَّهُ من رقم (١) فِي الزهد.

بَلِّغْ يَا أخي من يأكلون بالكتب الدينية باسم تحقيق ونشر وقل لَهُمْ قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ} واذكر لَهُمْ طريقة الرسل وأنهم لا يسألون النَّاس أجرًا.

شِعْرًا: ... اعْلَمْ بِأَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ مُنْفَرِدٌ ... وَالسَّالِكُونَ طَرِيقَ الْحَقِّ أَفْرَادُ

لا يَطْلُبُونَ وَلا تُطْلَبْ مَسَاعِيهُم ... فَهُمُ عَلَى مَهَل يَمْشُونَ قُصَّادُ

وَالنَّاس فِي غَفْلَةٍ عَمَّا لَهُ قَصَدُوا ... فَجُلَهُمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ رُقَّادُ

قيل: إن هارون الرشيد خَرَجَ فِي نزهة ومعه سُلَيْمَانٌ بن جعفر فَقَالَ لَهُ هارون: قَدْ كَانَتْ لَكَ جارية تغني فتحسن الغنا فأت بها فجاءت فغنت فَلَمْ تحسن الغنا فَقَالَ لها: مَا شأنك قَالَتْ: لَيْسَ هَذَا عودي.

فَقَالَ للخادم جئها بعودها قَالَ: فَجَاءَ بالعود فوافق شيخنا يلقط النوى فَقَالَ: إبعد عَنْ الطَرِيق يَا شيخ فرفع الشَّيْخ رأسه فرأى العود فأخذه فضرب به الأَرْض.

فأخذه الخادم وذهب به إلى صَاحِب الربع فَقَالَ: احتفظ بهَذَا فإنه سيطلبه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ صَاحِب الربع: لَيْسَ ببغداد أعبد من هَذَا فَكَيْفَ يطلبه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>