عبد الله بن مسعود فثوب بالصَّلاة فصلى بِالنَّاسِ فأرسل إليه الوليد: مَا حَمَلَكَ على مَا صنعت أجاءك من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أمر فيما فعلت أم ابتدعت؟ قَالَ: لم يأتني أمر من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ولم ابتدع ولكن أبى الله ورسوله عَلَيْنَا أن ننتظرك بصلاتنا وأَنْتَ فِي حاجتك.
قَالَ شيخ الإِسْلام رحمة الله: لابد من العلم بالمعروف والْمُنْكَر والتمييز بينهما. الثاني أَنَّهُ لابد من العلم بحال المأمور والنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأَمْر والنهي بالصراط المستقيم وَهُوَ أقرب الطرق إلى حصول المقصود ولا بد من الرفق ولا بد أن يكون حليمًا صبورًا على الأَذَى فإنه لا بد أن يحصل لَهُ أذى فَإِنَّ لم يحلم ويصبر كَانَ مَا يفسد أَكْثَر مِمَّا يصلح فَلا بُدَّ مِنْ العلم والرفق والصبر، والعلم قبل الأَمْر والنهي، والرفق معه والصبر بعده.
وَقَالَ سفيان: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عَنْ الْمُنْكَر إِلا من كَانَ فيه خِصَال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل، عدل بما ينهى، عَالِم بما يأمر، عَالِم بما ينهى.
وَقَالَ عبد الملك بن عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز لأبيه: يَا أَبَتِ مَا يَمْنَعُك أن تمضي لما تريد من العدل فوَاللهِ مَا كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: يَا بَنِي إني إِنَّمَا أروض النَّاس رياضة الصعب إني أريد أن أجئ الأَمْر من العدل فأؤخر ذَلِكَ حَتَّى أُخْرِجَ معه طمعًا من طمع الدُّنْيَا فينفروا من هَذَا ويسكنوا لهذه.
وَيُشْتَرِطُ فِي وُجُوبِ الإِنْكَارِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَأهله وماله، فَإِنَّ خاف السب أَوْ سماع الكلام السيئ لم يسقط عَنْهُ والحزم أن لا يبالي لما ورد:«أفضل الجهاد كلمة حق عِنْدَ سلطان جائر» . وقوله:«لا يمنعن أحدكم هيبة النَّاس أن يَقُولُ بحق إِذَا عَلِمَهُ» .