وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ لَهُ أَرْبَعُ دَرَجَاتٍ:
(الأُولَى) : أَنْ يَزُولَ وَيَخْلفه ضده.
(الثَّانِيَة) : أَنْ يَقِلَّ وَإن لم يزل من جملته.
(الثالثة) : أن يخلفه مَا هُوَ مثله.
(الرابعة) : أن يخلفه مَا هُوَ شر منه.
فالدَّرَجَتَانِ الأوليان مَشْرُوعَتَانِ، وَالثَّالِثَةِ مَوْضِعُ اجْتِهَاد والرابعة محرمة، وليحزر الآمْر والناهي من أن يخالف قوله أَوْ يأمر بما لا يأتمر به.
شِعْرًا: ... رَأَيْنَاكَ تَنْهَى وَلا تَنْتَهِي ... وَتُسْمِعُ وَعْظًا وَلا تَسْمَعُ
فَيَا حَجَر الشَّحْذِ حَتَّى مَتَى ... تَسَنُّ الْحَدِيدَ وَلا تَقْطَعُ
فقَدْ ورد عَنْ أَنَس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار: قَالَ: قُلْتُ: من هؤلاء؟ قَالَ: خطباء أمتك من أَهْل الدُّنْيَا ممن كَانُوا يأمرون النَّاس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون» . وحتى لا يتعرض لسخرية النَّاس به واستهزائهم به وحتى تَكُون دعوته مقبولة.
شِعْرًا: ... يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ ... هَلا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضَّنَى ... كَيْمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَإنْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى ... بِالرَّأْيِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
آخر: ... فَراكَ مِنَ الأَيَّامِ نَابٌ وَمِخْلَبُ ... وَخَانَكَ لَوْنُ الرَّأْسِ وَالرَّأْسُ أَشْيَبُ
فَحَتَّامَ لا تَنْفَكُّ جَامِحَ هِمَّةٍ ... بَعِيدَ مَرَامِي النَّفْسِ وَالْمَوْتُ أَقْرَبُ
تُسَرُّ بِعَيْشٍ أَنْتَ فِيهِ مُنَغَّصٌ ... وَتَسْتَعْذِبُ الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُعَذَّبُ
تُغَذِّيكَ وَالأَوْقَاتُ جسْمَك تَغْتَذِي ... وَتَسْقِيكَ وَالسَّاعَاتُ رُوحَكَ تَشْرَبُ
وَتَعْجَبُ مِن آفَاتِهَا مُتَلَفِّتًا ... إِلَيْهَا لَعَمْرُ اللهِ فَعْلُكَ أَعْجَبُ