للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمى يوم الرحمة، فاعترض إبلَيْسَ فِي هيئة شيخ جليل، عَلَيْهِ بتلة أي كساء غليظ، فوقف على باب الدار، فَلَمَّا رأوه قَالُوا: من الشَّيْخ؟ قَالَ: شيخ من أَهْل نجد، سمَعَ بالَّذِي اتعدتم لَهُ، فَجَاءَ ليسمَعَ مَا تقولون، وعَسَى أن لا يعدكم منه رأيًا ونصحًا. قَالُوا: فأدخل.

وقَدْ اجتمَعَ أشراف قريش، فَقَالَ بَعْضهُمْ لبعض: إنْ هَذَا الرجل قَدْ كَانَ من أمره مَا قَدْ رأيتم، وإنَا وَاللهِ مَا نأمنه عَنْ الوثوب عَلَيْنَا، فأجمعوا فيه رأيًا، فَقَالَ قائل: احبسوه فِي الحديد وأغلقوا عَلَيْهِ بابًا، ثُمَّ تربصوا به مَا أصاب أمثاله من الشعراء من الموت. فَقَالَ الشَّيْخ النجدي: لا وَاللهِ مَا هَذَا لكم برأي، وَاللهِ لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره إلى أصحابه فيثبوا عليكم فينزعوه منكم، مَا هَذَا لكم برأي فانظروا فِي غيره.

فتشاوروا، ثُمَّ قَالَ قائل مِنْهُمْ: نخرجه عَنْ بلادنا، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ فوَاللهِ لا نبالي أين ذهب. فَقَالَ الشَّيْخ النجدي: لا وَاللهِ مَا هَذَا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قُلُوب الرِّجَال بما يأتي به، وَاللهِ مَا هُوَ رأي.

فَقَالَ: أَبُو جهل: وَاللهِ لي رأيًا. قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الحكم؟ قَالَ: أرى أن نأخذ من كُلّ قبيلة شابًا، ثُمَّ نعطي كُلّ فتى سيفًا، ثُمَّ يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فتستريحوا منه فَإِنَّهُمْ إِذَا فعلوا ذَلِكَ تفرق دمه فِي القبائل جميعًا، فَلَمْ يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا بالعقل فعقلنا لَهُمْ.

فَقَالَ الشَّيْخ النجدي: هَذَا هُوَ الرأي الَّذِي لا أرى غيره. فتفرق القوم على ذَلِكَ، فأتى جبريل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لا تبيت اللَّيْلَة على فراشك، فَلَمَّا كَانَ عتمة من الليل، اجتمعوا على بابه يرقبونه حَتَّى ينام فيثبون عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>