للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعيشها كما يذود الراعي الشفيق إبله عَنْ مبارك العزة.

وما ذَلِكَ لهوانهم عليَّ، ولكن ليستكملوا مصيبهم من كرامتي سالمًا موفرًا لم تكلمه الدُّنْيَا ولم يطغه الهوى.

واعْلَمْ أَنَّهُ لم يتزين لي العباد بزينة هِيَ أبلغ من الزهد فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهَا زينة المتقين عَلَيْهمْ مَنْهَا لباس يعرفون به من السكينة، والخشوع سيماهم فِي وجوههم من أثر السجود.

أولئك أوليائي حقًا فَإِذَا لقيتهم فاخفض لَهُمْ جناحك، وذل لَهُمْ قلبك ولسانك. وَقَالَ الحواريون: يَا عيسى من أَوْلِيَاء الله الَّذِينَ لا خوف عَلَيْهمْ ولا هم يحزنون؟

قَالَ: الَّذِينَ نظروا إلى باطن الدُّنْيَا، حين نظر النافس إلى عاجلها فأماتوا مَنْهَا مَا يخشون أن يميتهم، وتركوا مَا علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم مَنْهَا استقلالاً، وذكرهم إياهًا فواتًا، وَمَا عارضهم من رفعتها بغير الْحَقّ وضعوه.

خلقت الدُّنْيَا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت فِي صدورهم، فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها، فيشترون بها مَا يبقى لَهُمْ.

رفضوها فكَانُوا بها هم الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قَدْ حلت بِهُمْ المثلات، فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة.

يحبون لله، ويحبون ذكره، ويستضيئون بنوره، ويضيئون به لَهُمْ خبر عجيب وعندهم الْخَبَر العجيب، بِهُمْ قام الكتاب، وبه قاموا وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب، وبه عملوا ليسوا يرون نائلاً مَعَ مَا نالوا، ولا أمانًا دون مَا يرجون، ولا خوفًا دون مَا يحذرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>