للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصد الذكر بين النَّاس فَلَمْ يخلص عمله فبطل كله، قَالَ: ورابعها: أن محبتها تعترض بين الْعَبْد، وبين فعل مَا يعود عليه نفعه فِي الآخِرَة، لاشتغاله عَنْهُ بمحبوبه وَالنَّاس ها هنا مراتب.

فمِنْهُمْ من يشغله محبوبه عَنْ الإِيمَان، وشرائعه.

وَمِنْهُمْ من يشغله عَنْ الواجبات التي تجب عَلَيْهِ لله ولخلقه فلا يقوم بها ظاهرًا ولا باطنًا.

وَمِنْهُمْ من يشغله حبها عَنْ كثير من الواجبات.

وَمِنْهُمْ من يشغله عَنْ واجب يعارض تحصيلها وإن قام بغيره.

وَمِنْهُمْ من يشغله عَنْ القيام بالواجب فِي الوَقْت الَّذِي ينبغي على الوجه الَّذِي ينبغي فيفرط فِي وقته وفي حقوقه.

وَمِنْهُمْ من يشغله عَنْ عبوديته قَلْبهُ فِي الواجب، وتفريغه لله عِنْدَ أدائه، فيؤذيه ظاهرًا لا باطنًا، وأين هَذَا من عشاق الدُّنْيَا ومحبيها هَذَا من أنذرهم، وأقل درجات حبها أن يشغل عَنْ سعادة الْعَبْد وَهُوَ تفريغ الْقَلْب لحب الله، ولِسَانه لذكره وجمَعَ قَلْبهُ على لِسَانه وجمَعَ لِسَانه وقَلْبهُ على ربه، فعشقها ومحبتها تضر بالآخِرَة، ولا بد، كما أن محبة الآخِرَة تضر بالدُّنْيَا.

وخامسها: أن محبتها تجعلها أَكْثَر هم الْعَبْد.

وسادسها: أن محبتها أشد النَّاس عذابًا بها، وَهُوَ معذب فِي دوره الثلاث، يعذب فِي الدُّنْيَا بتحصيلها، وفي السعي فيها ومنازعة أهلها وفي دار البرزخ أي فِي القبر بفواتها، والحَسْرَة عَلَيْهَا، وكونه قَدْ حيل بينه وبين محبوبه على وجه لا يرجو اجتماعه به أبدًا ولم يحصل لَهُ هناك محبوب يعوضه عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>