فهَذَا أشد النَّاس عذابًا فِي قبره، يعمل الهم، والغم، والحزن والحَسْرَة، فِي روحه مَا تعمل الديدان وهوام الأَرْض في جسمه.
وسابعها: أن عاشقها ومحبها الَّذِي يؤثرها على الآخِرَة من أسفه الخلق وأقلهم عقلاً، إذ آثر الخيال على الحَقِيقَة، والمنام على اليقظة والظِلّ الزائل على النَّعِيم الدائم والدار الفانية على الدار الباقية إن اللبيب بمثلها لا يخدع.
ثُمَّ عقَدْ فصلاً وذكر فيه أمثلة تبين حَقِيقَة الدُّنْيَا: المثال الأول: للعبد ثلاثة أحوال، حالة لم يكن فيها شَيْئًا، وهي مَا قبل أن يوَجَدَ، وحالة أخرى وهي من ساعة موته، إلى مَا لا نهاية لَهُ فِي البقاء السرمدي فلنفسه وجود بعد خروجها من البدن، إما فِي الْجَنَّة وإما فِي النار.
ثُمَّ تعاد إلى بدنه، فيجازى بعمله، ويسكن إحدى الدارين فِي خلود دائم بين هاتين الحالتين وهي مَا بعد وجوده وَمَا قبل موته حالة متوسطة، وهي لأيام حَيَاتهُ فلينظر إلى مقدار زمانها، وينسبه إلى الحالتين، يعلم أَنَّهُ أقل من طرفة عين فِي مقدار عُمَر الدُّنْيَا.
ومن رأى الدُّنْيَا بهذه العين لم يركن إليها، ولم يبال كيف تقضت أيامه فيها فِي ضر وضيق أَوْ فِي سعة ورفاهية ولهَذَا لم يضع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وَقَالَ:«مَا لي وللدنيا، إِنَّمَا مثلي ومثل الدُّنْيَا كراكب قَالَ فِي ظِلّ شجرة، ثُمَّ راح وتركها» .
وإلى هَذَا أشار المسيح بقوله عَلَيْهِ السَّلامُ: الدُّنْيَا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وَهُوَ مثل صحيح فَإِنَّ الحياة معبر إلى الآخِرَة، والمهد هُوَ الركن الأول، على أول القنطرة، واللحد هُوَ الركن الثاني على آخرها.
ومن النَّاس من قطع نصف القنطرة.
وَمِنْهُمْ من قطع ثلثيها، وَمِنْهُمْ من لم يبق لَهُ إِلا خطوة واحدة، وهو