فبينما هم كَذَلِكَ، إذ خَرَجَ عَلَيْهمْ رجل فِي حلية يقطر رأسه، فَقَالُوا: إن هَذَا قريب عهد بريف، وَمَا جاءكم هَذَا إِلا من قريب، فَلَمَّا انتهى إليهم، قَالَ: يَا هؤلاء علام أنتم؟ قَالُوا: على مَا تَرَى. قَالَ: أرأيتم إن هديتكم على ماء رواء ورياض خضر مَا تجعلون لي؟
قَالُوا: لا نعصيك شَيْئًا. قَالَ: عهودكم ومواثيقكم بِاللهِ. قَالَ: فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بِاللهِ لا يعصونه شَيْئًا. قَالَ: فأوردهم ماء ورياضًا خضرًا قَالَ: فمكث مَا شَاءَ الله.
ثُمَّ قَالَ: يَا هؤلاء الرحيل، قَالُوا إلى أين، قَالَ إلى ماء لَيْسَ كمائكم ورياض لَيْسَتْ كرياضكم، قَالَ: فَقَالَ جل القوم، وهم أكثرهم: وَاللهِ مَا وَجَدْنَا هَذَا حَتَّى ظننا أن لن نجده، وَمَا تصنع بعيش هُوَ خَيْر من هَذَا؟
شِعْرًا: ... عَلَى الدُّنْيَا وَمَنْ فِيهَا السَّلامُ ... إِذَا مَلَكَتْ خَزَائِنَهَا اللِّئَامُ
قَالَ: وقَالَتْ طائفة: وهم أقلهم: ألم يعطوا هَذَا الرجل عهودكم ومواثيقكم بِاللهِ لا تعصونه شَيْئًا، وقد صدقكم في أول حديثه فوالله ليصدقنكم فِي آخره، فراح بمن اتبعه، وتخلف بقيتهم، فبادرهم عَدُوّهمْ، فأصبحوا بين أسير وقتيل.
شِعْرًا: ... إِذَا عَاجِلَ الدُّنْيَا أَلَمْ بِمَفْرَحٍ ... فَمَنْ خَلفهُ فَجْعٌ سَيَتْلُوُه آجِلُ
وَكَانَتْ حَيَاةُ الْحَيِّ سَوْقًا إلى الرَّدَى ... وَأَيَّامُهُ دُونَ الْمَمَاتِ مَرَاحِلُ
وَمَا لُبْثَ مَنْ يَغْدُو وَفِي كُلِّ لَحْظَةٍ ... لَهُ أَجْلٌ فِي مُدَّةِ الْعُمْرِ قَاتِلُ
وَلِلْمَرْءِ يَوْمٌ لا مَحَالَة مَا لَهُ ... غَدٌ وَسْطَ عَامٍ مَا لَهُ الدَّهْرَ قَابِلُ
كَفَانَا اعْتِرَافًا بِالْفَنَاءِ وَرُقْبَةً ... لِمَكْرُوهِهِ أَنْ لَيْسَ لِلْخُلْدِ آمِلُ
آخر: ... أَرَانِي بِِحَمْدِ اللهِ فِي الْمَال زَاهِدًا ... وَفِي شَرَفَ الدُّنْيَا وَفِي الْعِزَّ أَزْهَدَا
تَخَلَّيْتُ عَنْ دُنْيَايَ إِلا ثَلاَثَةً ... دَفَاتِرَ مِنْ عِلْمٍ وَبَيْتًا وَمَسْجِدَا