للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبقةُ الأولى: (طَبَقَةُ العُلُمَاءِ) : وَهُمْ قَوْمٌ أَحْكَمُوا العِلْم وَتَركُوا العملَ بِهِ ظنًا منهُم أنَّهُمْ قد حَفِظُوا الشريعَة فَلَهُم عِندَ اللهِ قَدْرٌ، ولو حَقَّقُوا النَّظَرَ، لَعِلمُوا أنَّ العِلْم لا يُرادُ إلا لِلْعَمَلِ وكأنّهم يَزِيدُونَ مِنَ الحُجَّةِ عليهِم.

ومنهم قومٌ أحْكموا العِلْمِ والعَمَلَ إِلا أنَهُمْ لم يُصْلِحُوا الصِّفَاتِ البَاطِنَة المَذْمُومَةَ مِنَ الكِبْرِ والحَسَدِ والرِّياءِ ولَمْ يَدْرُوا أنَّ هَذِهِ شُعَلٌ تَعْمَلُ في بَيْتِ القَلبِ فَتُحْرِقُ بَوَاطِنَ الْمَعْرِفَةِ.

قُلْتُ: وَهؤلاءِ كَمَريضٍ ظَهَرَ بهِ جُرُوحٌ أَصْلُها في البَاطِن فأمَرَ الطَّبِيبُ مَنْ بهِ ذلكَ أنْ يَغْسِلَ الظَّاهرَ بدَوَاءٍ وأمَرَهُ بشُرْب دَوَاءٍ آخَرَ لِمَا نَشَأَ عنه الظاهرُ فاسْتَعْمَل ما لِلَّظاهِرِ وَتَرَك ما لِلْبَاطِنِ فأزال مؤقتًا ما بظاهِرِه وَأَمَّا مَا في بِاطِنِهِ فِعَلَى حَالِهِ.

فَلَوْ شَرِبَ ما لِلْبَاطِنِ مِنَ الدَّوَاءِ بَرِئَ الظاهرُ إذا أَرَادَ اللهُ واسْتراحَ ظَاهرُهُ وبَاطنُه، فكذلك الذنوبُ والمعاصِي إذا اخْتَفَتْ في القلبِ ظهرَ أثرُها على جَوَارِحِ الإنسانِ.

ومِن العُلَمَاءِ قومٌ سَلِمُوا مِنْ هذِهِ الآفاتِ، لَكِنَّهم في خِدْمةِ الهَوَى مِنْ حيثُ لا يعلمون فهم يُصَنِّفون وَيَتَكَلَّمُون ومُرادُهم ذِكْرُهم بذلكَ وَمَدْحُهم وَكَثَرَةُ إتباعِهِم وهذهِ الآفةُ مِن خَبَايَا النفوسِ لا يَفْطِنُ لها إلا الأكياسُ مِن الناسِ.

الطبقة الثانية: (طبقةُ العُبَّاد) : فمنهم مَن حققوا التَّعبُّد إلا أنه يَرى نفسَهُ فهو مَغرورٌ بذلكَ، ومنهم: مَن ترَكَ كثيرًا مِنَ الفَرائضِ شُغْلاً بالنَّوافِلِ فَمِنْهُمْ مِنْ يُدْرِكُهُ الوَسْواسُ في نِيَّةِ الصلاةِ ثم يَتْرُكُ قَلْبَه في باقِيها يَسْرَحُ في الغَفَلاتِ.

وَمنهم: مَن يُكْثِرُ التِلاَوَةَ ولا يعملُ بما يَتْلو، ومنهم مَنْ يصومُ ولا يتحفَّظُ

<<  <  ج: ص:  >  >>