من زهرة الدُّنْيَا، وزينتها» . فَقَالَ رجل: يَا رَسُول اللهِ! أَوْ يأتي الْخَيْر بالشر؟ فصمت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: كيف قُلْتُ؟ قَالَ: يَا رَسُول اللهِ أَوْ يأتي الْخَيْر بالبشر، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -::" إن الْخَيْر لا يأتي إِلا بالْخَيْر، وإن مِمَّا ينبت الربيع مَا يقتل حبطًا أَوْ يلم إِلا آكلة الخضر، أكلت حَتَّى إِذَا امتلأت خاصرتاها، استقبلت الشمس فثلطت وبالت، ثُمَّ اجترت فَعَادَتْ فأكلت. فمن أخذ مالاً بحقه بورك لَهُ فيه، ومن أخذ مالاً بغير حق، فمثله كمثل الَّذِي يأكل ولا يشبع» . فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن مِمَّا يخاف عَلَيْهمْ الدُّنْيَا، وسماها زهرة، فشبهها بالزهر، فِي طيب رائحته وحسن منظره، وقلة بقائه.
فهذه الفقرة اليسيرة، من جوامَعَ كلمه - صلى الله عليه وسلم -، حوت على إيجازها بشارة الصحابة الكرام بما سيكون على أيديهم، من فتح الْبِلاد، وإخضاع العباد، وجلب الأموال الطائلة، والغنائم الكثيرة، وتحذيرهم من الغرور، والركون إلى هَذِهِ الأَشْيَاءِ الفانية، والأعراض الزائلة.
وضرب - صلى الله عليه وسلم - مثلين حكيمين أحدهما مثل المفرط فِي جمَعَ الدُّنْيَا، والآخِر مثل المقتصد فيها، أما الأول، فمثله مثل الربيع وَذَلِكَ قوله فَإِنَّ مِمَّا ينبت الربيع مَا يقتل حبطًا أَوْ يلم، بأن يقارب الهلاك.
فهَذَا المطر ماء ينزله الله لإغاثة الخلق وإرواء كُلّ ذي روح فرغم فوائده الكثيرة ومنافعه الغزيرة وَمَا يتسبب عَنْ ذَلِكَ من إنبات العشب والكلاء، يأكل منه الْحَيَوَان فيكثر فينتفخ بطنه، فيهلك أَوْ يقارب الهلاك، وكَذَلِكَ الَّذِي يكثر من جمَعَ الْمَال، يكون عنده من الجشع والشره، والحرص، مَا يتجاوز به الحد، لا سيما إِذَا جمَعَ الْمَال من غير حله، ومنع ذَا الْحَقّ حقه، فَإِنَّ لم يقتله قارب أن يقتله.