ثُمَّ بينه وبين النَّبَات مُشَارَكَة فِي الْجِنْس الْبَعِيد مثلاً، فَلا بُدَّ مِنْ نوع ما من المفاعلة: قَالَ: ولأجل هَذَا الأصل وقع التأثر والتأثير فِي بَنِي آدم، واكتساب بَعْضهمْ أَخْلاق بَعْض بالمُشَارَكَة والمعاشرة، وكَذَلِكَ الآدمي إِذَا عاشر نوعًا من الْحَيَوَان، اكتسب من بَعْض أخلاقه.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وصار الْحَيَوَان الإنسي فيه بَعْض أَخْلاق الإنس من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة، فالمشابهة والمشاكلة فِي الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة فِي الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي.
قَالَ: وقَدْ رأينا اليهود الَّذِينَ عاشروا الْمُسْلِمِين، هم أقل كفرًا من غيرهم، كما رأينا الْمُسْلِمِين الَّذِينَ أكثروا من معاشرة اليهود والنَّصَارَى هم أقل إيمانًا من غيرهم، والمُشَارَكَة فِي الهدْي الظاهر، توجب أيضًا مناسبة وإتلافًا وإن بعد المكَانَ، والزمان، فهَذَا أيضًا أمر محسوس فمشابهتهم فِي أعيادهم ولو بالقليل، هُوَ سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هِيَ ملعونة.
فنقول: مشابهتهم فِي الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم فِي عين الأَخْلاق والأفعال المذمومة، بل فِي نفس الاعتقاد، وتأثير ذَلِكَ لا يظهر ولا ينضبط ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قَدْ لا يظهر ولا ينضبط وقَدْ يتعسر، أَوْ يتعذر زواله، بعد حصوله لو تفطن لَهُ.