للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لي كتابته وله دينه، قَالَ: لا أكرمهم إِذَا أهانهم الله، ولا أعزهم إِذَا أذلهم الله ولا أدنيهم إِذَا أقصاهم الله» . بلغ يَا أخي من والاهم وولاهم ووثق بِهُمْ، وأحمد الله الَّذِي عَافَاكَ مِمَّا ابتلاهم به.

ولما دل عَلَيْهِ معنى الكتاب وجاءت به سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسُنَّة خلفائه الراشدين، التي أجمَعَ الْفُقَهَاء عَلَيْهَا بمخالفتهم، وترك التشبه بِهُمْ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إن اليهود والنَّصَارَى لا يصبغون، فخالفوهم أمر بمخالفتهم قَالَ.

وقَالَ تَعَالَى لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وَذَلِكَ يقتضي تبرؤه مِنْهُمْ فِي جميع الأَشْيَاءِ، وَإِذَا كَانَ الله قَدْ برأ رسوله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَمِيعِ أمورهم، فمن كَانَ متبعًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - حَقِيقَة كَانَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُمْ، كتبرئه - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ ومن كَانَ موافقًا لَهُمْ كَانَ مُخًالِفًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بقدر موافقته لَهُمْ.

وقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: إن مشابهتهم فِي بعض أعيادهم، توجب سرور قلبوهم بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ، خُصُوصًا إِذَا كَانُوا مقهورين، تحت ذل الْجِزْيَة والصغار، فَإِنَّهُمْ يرون الْمُسْلِمِين قَدْ صاروا فرعًا لَهُمْ فِي خصائص دينهم، فَإِنَّ ذَلِكَ يوجب قَسْوَة قُلُوبِهِمْ وانشراح صدورهم وَرُبَّمَا أطمعهم ذَلِكَ فِي انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء.

وقال رحمه الله: وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل فِي الأَخْلاق والصفات أتم حَتَّى يؤل الأَمْر إِلَى أن لا يميز أحدهما عَنْ الآخِر إِلا بالعين فقط.

ولما كَانَ بين الإِنْسَان مُشَارَكَة فِي الْجِنْس الْخَاص، كان التفاعل فيه أشد، ثُمَّ بينه وبين سائر الْحَيَوَان مُشَارَكَة فِي الْجِنْس، المتوسط، فَلا بُدَّ مِنْ نوع تفاعل بقدره.

<<  <  ج: ص:  >  >>