للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما المتلطخ بشَيْء من المكروهات، فلا يصلح لمجاورة حضرة القدوس إلا بعد أن يطهر بكير الْعَذَاب فإذا أزال عَنْهُ الخبث صلح حينئذ للمجاورة إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، فَأَمَّا الْقُلُوب الطيبة فتصلح للمجاورة من أول الأَمْر {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .

من لم يحرق نَفْسهُ الْيَوْم بنار الأسف على ما سلف أَوْ بنار الشوق إِلَى لقاء الْحَبِيب، فنار جهنم أشد حرًا ما يحتاج إِلَى تطهير بنار جهنم إلا من لم يكمل التَّوْحِيد والقيام بحقوقه.

أول من تسعر بِهُمْ النار من الموحدين المراؤون بأَعْمَالِهُمْ وأولهم العَالِم والمتصدق والمجاهد للرياء، ولأن الرياء شرك ما تظاهر المرائى إِلَى الخلق بعمله إلا لجهله بعظمة الخالق، المرائي يزور التوقيع على اسم الملك ليأخذ البراطيل لنفسه، ويوهمهم أنه من خاصة الملك، وَهُوَ ما يعرف الملك بالكلية، نقش المرائي على الدرهم الزائف اسم الملك ليروج والبهرج لا يجوز ألا على غير الناقَدْ.

وقَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: من أحب شَيْئًا سِوَى الله ولم تكن محبته لَهُ لله ولا لكونه معينًا لَهُ على طاعة الله، عذب فِي الدُّنْيَا قبل اللقاء كما قِيْل:

شِعْرًا: ... أَنْتَ الْقَتِيلُ بِكُلِّ مَنْ أَحْبَبْتَهُ ... فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ فِي الْهَوَى مَنْ تَصْطَفِي

فإذا كَانَ يوم القيامة، ولى الحكم العدل سُبْحَانَهُ كُلّ محب من كَانَ يحبه فِي الدُّنْيَا فكَانَ معه إمَّا منعمًا وإمّا معذبًا، ولهَذَا يمثل لمحب الْمَال ماله شجاعًا أقرع، يأخذ بلهزميته، يقول: أَنَا مالك أَنَا كنْزُك وصفح لَهُ صفائح من نار يكوى بها جنبه وجبينه وظهره.

وَكَذَا عاشق الصور إِذَا اجتمَعَ هُوَ ومعشوقه على غير طاعة الله، جمَعَ بينهما فِي النار وعذب كُلّ منهما بصاحبه، قَالَ تَعَالَى {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>