وأخبر سُبْحَانَهُ أن الَّذِينَ توادوا فِي الدُّنْيَا على الشرك يكفر بَعْضهمْ ببَعْض يوم القيامة، ويلعن بَعْضهمْ بَعْضًا ومأواهم النار وما لَهُمْ من ناصرين.
فالمحب مَعَ محبوبه دنيا وأخرى، ولهَذَا يَقُولُ الله تَعَالَى يوم القيامة للخلق ألَيْسَ عدلاً مني أن أولي كُلّ رجل منكم ما كَانَ يتولى فِي دار الدُّنْيَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مَعَ من أحب» . وقَالَ تَعَالَى {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} .
فقرن كُلّ شكل إِلَى شكله، وجعل معه قرينًا وزوجًا، البر مَعَ البر والفاجر مَعَ الفاجر.
والمقصود أن من أحب شَيْئًا سِوَى الله فالضَّرَر حاصل لَهُ بمحبوبه إن وَجَدَ وان فقَدْ، فإنه إن فقَدْ عذب بفواته، وتألم عَلَى قَدْرِ تعلق قَلْبهُ به، وإن وجده كَانَ ما يحصل لَهُ من الألم قبل حصوله، ومن النكد فِي حال حصوله، ومن الحَسْرَة عَلَيْهِ بعد فواته، أضعاف ما فِي حصوله لَهُ من اللذة.
وَهَذَا الأَمْر معلوم بالاستقراء والاعتبار والتجارب، ولهَذَا قَالَ النبى - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيث الذى رَوَاهُ الترمذى وغيره:«الدُّنْيَا ملعونة ملعون ما فيها ألا ذكر الله وما والاه» .
فذكره جميع أنواع طاعته فكل من كَانَ فِي طاعته فهو فِي ذكره، وإن لم يتحرك لِسَانه بالذكر، وكل من والاه فقَدْ أحبه وقربه فاللعنة لا تنال ذَلِكَ بوجه وهي نائلة كُلّ ما عداه.