فقَدْ تضمنت هَذِهِ الآيَة الكريمة حَقِيقَة التَّوْحِيد والرد على جميع طوائف الضلال فقَدْ تضمنت أجّل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به
وعبارات السَّلَف فِي "شهد" تدور على الحكم والِقَضَاءِ والأعلام والأخبار والبيان وهذه الأقوال كُلّهَا حق لا تنافي بينها
فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه فلها أربع مراتب:
فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته
وثانيها: تكلمه بذَلِكَ وإن لم يعلم به غيره بل يتكلم بها مَعَ نَفْسهُ ويتذكرها ونطق بها أَوْ يكتبها.
وثالثها: أن يعلم غيره بما يشهد ويخبره به ويبينه لَهُ
ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمره به فشهادة الله سُبْحَانَهُ لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هَذِهِ المراتب الأربع علمه بذَلِكَ وتكلمه وإخباره لخلقه وأمرهم وإلزامهم به. فأما مرتبة العلم فَإِنَّ الشهادة تتضمنها ضرورة وإلا كَانَ الشاهد شاهدًا بما لا علم لَهُ به، قَالَ تَعَالَى {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «على مثلها فاشهد» . وأشار إِلَى الشمس. وأما مرتبة التكلم والخبر فقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} فجعل ذَلِكَ مِنْهُمْ شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدوها عَنْدَ غيرهم.