وأما مرتبة الإعلام فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالْفِعْل، وَهَذَا شأن كُلّ معلم لغيره بأمرٍ، تَارَّة يعلمه به بقول وتَارَّة بفعل ولهَذَا كَانَ من جعل داره مَسْجِدًا وأبرزها وفتح طريقها وأذن للناس بالدخول والصَّلاة فيها معِلْمًا أنها وقف وإن لم يلفظ
وَكَذَا شهادة الرب عَزَّ وَجَلَّ وبيانه وأعلامه يكون بقوله تَارَّة وبفعله أخرى فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه
وأما بيانه وإعلامه بفعله كما قَالَ ابن كيسان: شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عَنْدَ خلقه أن إلا اله إلا هو، وقَالَ الآخر:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ
آخر: ... لَهُ كُلُّ ذَرَّاهِ الْوُجُودِ شَوَاهِدٌ ... عَلَى أَنَّهُ الْبَارِي الإِلَهُ الْمُصَوِّرُ
آخر: ... تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وَانْظُرْ ... إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ
عُيُونٌ مِنْ لُجَيْنَ شَاخَِصاتٌ ... بِأَحْدَاقٍ هِيَ الذَّهِبُ السَّبِيكُ
عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ ... بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ الْبَرَايَا ... إِلَى الثَّقَلَيْنِ أَرْسَلَهُ الْمَلِيكُ
آخر: ... تَأَمُلْ سُطُورَ الْكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا ... مِنْ الْمَلِكِ الأَعْلَى إِلَيْكَ رَسَائِلُ
وَقَدْ كَانَ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا ... أَلا كُلَّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ
ومِمَّا يدل على أن الشهادة تَكُون بالْفِعْل قوله تَعَالَى {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} فهذه شهادة مِنْهُمْ على أنفسهم بما يفعلونه.
وأما مرتبة الأَمْر بذَلِكَ والإلزام به فَإِنَّ مجرد الشهادة لا يستلزمه لكن الشهادة فِي هَذَا الموضع تدل عَلَيْهِ وتتضمنه.
فإنه سُبْحَانَهُ شهد به شهادة من حكم به وقضى وأمر وألزم عباده كما قال