وكُلَّما كَانَ وجود الشئ أنفع للعبد وَهُوَ إليه أحوج كَانَ تألمه بفقده أشد، وكُلَّما كَانَ عدمه أنفع كَانَ تألمه بوجوده أشد، ولا شَيْء على الإطلاق أنفع للعبد من إقباله على الله، واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه، وإيثاره لمرضاته. بل لا حياة ولا نعيم ولا سرور ولا بهجة إلا بذَلِكَ.
فعدمه ألم شَيْء لَهُ وأشد عذابًا عليه، وإنما تغيب الروح عَنْ شهود هَذَا الألم والْعَذَاب لا اشتغالها بغيره واستغراقها فِي ذَلِكَ الغير فتغيب به عَنْ شهود ما هِيَ فيه من ألم العقوبة بفراق أحب شَيْء إليها وأنفعه لها.
حتى إِذَا صحا وكشف عَنْهُ غطاء السكر وانتبه من رقدة الخمر فهو اعْلَمْ بحاله حيئنذٍ، وهكَذَا الحال سواء عَنْدَ كشف الغطاء ومعاينة طلائع الآخِرَة والإشراف على مفارقة الدُّنْيَا والانتقَال مَنْهَا إِلَى الله.
بل الألم والحَسْرَة والْعَذَاب هناك أشد بأضعاف أضعاف ذَلِكَ، فَإِنَّ المصاب فِي الدُّنْيَا يرجو جبر مصيبته فِي الدُّنْيَا بالعوض ويعلم أنه قَدْ أصيب بشَيْء زائل لا بقاء له، فَكَيْفَ بمن مصيبته بما لا عوض عَنْهُ ولا بدل منه ولا نسبة بينه وبين الدُّنْيَا جميعها.
فلو قضى الله سُبْحَانَهُ بالموت من هَذِهِ الحَسْرَة والألم لكَانَ الْعَبْد جديرًا به، وأن الموت ليعد أكبر أمنيته وأكبر حسراته هذا لو كان الألم على مجرد الفوات.