للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالْجَنَّة مأواه يوم اللقاء، وجنة المعرفة والمحبة والأُنْس بِاللهِ والشوق إِلَى لقائه والفرح به والرضى عَنْهُ وبه مأوى روحه فِي هَذِهِ الدار.

فمن كَانَتْ هَذِهِ الْجَنَّة مأواه ها هنا كَانَتْ جنة الخلد مأواه يوم الميعاد، ومن حرم هَذِهِ الْجَنَّة فهو لتلك الْجَنَّة أشد حرمانًا.

والأَبْرَار فِي نعيم وإن اشتد بِهُمْ العيش وضاقت بِهُمْ الدُّنْيَا، والفجار فِي جحيم وإن اتسعت عَلَيْهمْ الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} .

وطيب الحياة جنة الحياة، قَالَ تَعَالَى {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} ، فأي نعيم أطيب من شرح الصدر، وأي عذاب أشد من ضيق الصدر.

وقَالَ تَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

فالمُؤْمِن المخلص لله من أطيب النَّاس عيشًا وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدرًا وأسرهم قلبًا، وهذه جَنَّة عاجلة قبل الْجَنَّة الآجلة؟ قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مررتم برياض الْجَنَّة فارتعوا» . قَالُوا: وما رياض الْجَنَّة؟ قَالَ: «حلق الذكر» .

ومن هَذَا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الْجَنَّة» . ومن هَذَا قوله وقَدْ سألوه عَنْ وصاله فِي الصوم وقَالَ: «إني لست كهيئتكم إني أظِلّ عَنْدَ ربى يطعمني ويسقينى» .

فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن ما يحصل لَهُ من الغذاء عَنْدَ ربه يقوم مقام الطعام والشراب الحسي، وأن ما يحصل لَهُ من ذَلِكَ أمر مختص به لا يشركه فيه غيره، فإذا أمسك عَنْ الطعام والشراب فله عوض عَنْهُ يقوم مقامه وينوب منابه ويغني عَنْهُ كما قِيْل:

<<  <  ج: ص:  >  >>