للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشقى خلق الله لأنه بعمله هَذَا يكون قَدْ خسر دنياه وآخرته، وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المبين.

وكَذَلِكَ الغني يحتاج إِلَى الصبر على غناه لأنه مكلف بحقوق وواجبات لا يسهل على النفس فعلها من زكاة مال وإنفاق على من يُمُونُه وإغاثة ملهوف ... إلخ.

ثُمَّ اعْلَمْ أن إظهار البلوى سواء كَانَتْ مرضًا أَوْ فقرًا أَوْ غيرهما إما أن يكون لله تَعَالَى كما قَالَ أيوب عَلَيْهِ السَّلام {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وكما قَالَ يعقوب {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} فهَذَا لا ينافي الصبر.

وإما أن يكون لغير الله فَإِنَّ كَانَ لحاجة كشرح العلة للطبيب أَوْ بيان المظلمة لمن يقدر على رفعها فإنه لا ينافي الصبر أيضًا ما دام راضيًا بقضاء الله وقدره، فلا يضجر ولا يتبرم مِمَّا ينْزِل به من البَلاء فَإِنِ اشتكى لغير الله من دون فائدة تبرمًا وتضجرًا لم يكن من الصابرين، ولم يستفد من مصيبته سِوَى عذاب الدُّنْيَا.

شِعْرًا: ... ثَلاثٌ يَغُورُ الصَّبْرُ عِنْدَ حُلُولِهَا ... وَيَذْهَلُ عَنْهَا عَقْلُ كُلِّ لَبِيب

خُرُوجُكَ قَهْرًا مِنْ بِلادٍ تَحُبُّهَا ... وَفِرْقَةُ إِخْوَان وَفَقْدُ حَبِيبِ

قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وقوله {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} وقوله {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} .

وَكُلُّ مُصِيبَاتٍ أَتَتْنِي وَجَدْتُهَا ... سِوَى غَضَبِ الرَّحْمَنِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ

فالمراتب ثلاث أخسها أن تشكو الله إِلَى خلقه وأعلاها أن تشكو نفسك إليه وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. انتهى. قَالَ بَعْضُهُمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>