للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الإِمَام أحمد رَحِمَهُ اللهُ: ذكر الله سُبْحَانَهُ الصبر فِي القرآن فِي تسعين مَوْضِعًا. انتهى. وهي أنواع: مَنْهَا تعليق الإمامة فِي الدين به وباليقين، قَالَ الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} . فبالصبر واليقين، تنال الإمامة فِي الدين. ومنها ظفرهم بمعية الله سُبْحَانَهُ لَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .

قَالَ أبو علي الدَّقَّاق: فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته ومنها: أنه جمَعَ للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي الصَّلاة منه عَلَيْهمْ ورحمته لَهُمْ، وهدايته إياهم، قَالَ تَعَالَى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} . وقَالَ بَعْض السَّلَف: وقَدْ عُزِيَ على مصيبة نالته فقَالَ: ما لي لا أصبر وقَدْ وعدني الله على الصبر ثلاث خِصَال، كُلّ خصلة مَنْهَا خَيْر من الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا ومنها: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لَهُمْ أن يعاقبوا على ما عوقبوا به ثُمَّ أقسم قسمًا مؤكدًا غاية التأكيد أن صبرهم خَيْر لَهُ فقَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} .

فتأمل هَذَا التأكيد بالقسم المدلول عليه بالواو ثُمَّ باللام بعده ثم باللام التِي فِي الجواب. ومنها: أنه سُبْحَانَهُ حكم بالْخُسْرَانُ حكمًا عامًا على كُلّ من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر وَهَذَا يدل على أنه لا رابح سواهم فقَالَ تَعَالَى {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} .

ولهَذَا قَالَ الشافعى: لو فكر النَّاس كلهم فِي هَذِهِ السورة لوسعتهم وَذَلِكَ أن الْعَبْد كما لَهُ فِي تكميل قوتية، قوة العلم وقوة الْعَمَل وهما الإِيمَان والْعَمَل الصالح وكما هُوَ محتاج إِلَى تكميل نَفْسهُ فهو محتاج إِلَى تكميل غيره وَهُوَ التواصي.

<<  <  ج: ص:  >  >>