للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيث: «الولد مبخلة مجبنة» . وقَالَ الإِمَام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب قَالَ حدثني زيد بن واقَدْ قَالَ حدثني عَبْد اللهِ بن بريدة قَالَ سمعت أبي يَقُولُ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا فَجَاءَ الحسن والحسين عَلَيْهِمَا قميصان أحمران يمشيان ويعثران. فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثُمَّ قَالَ: «صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، نظرت إِلَى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حَتَّى قطعت حديثي ورفعتهما» . وهذ من كمال رحمته - صلى الله عليه وسلم - ولطفه بالصغار وشفقته عَلَيْهمْ، وَهُوَ تعليم منه للأمة الرحمة والشفقة واللطف بالصغار.

وإنما كَانَ الصبر على السراء شديد لأنه مقرون بالقدرة والجائع عَنْدَ غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عَنْدَ حضوره، وكَذَلِكَ الشبق عَنْدَ غيبة المرأة أصبر منه عَنْدَ حضورها

مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إِلَى الْفِعْل وسهولته على الْعَبْد، فإذا اجتمَعَ فِي الْفِعْل هَذَا الأمران كَانَ الصبر عَنْهُ أشق شَيْء على الصابر وإن فقدا معًا سهل الصبر عَنْهُ، وإن وَجَدَ أحدهما وفقَدْ الآخر سهل الصبر من وجه وصعب من وجه، فمن لا داعي إِلَى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هُوَ مسهل.

فصبره عَنْهُ أيسر شَيْء وأسهله، ومن أشتد داعيه إِلَى ذَلِكَ وسهل عَلَيْهِ فعله فصبره عَنْهُ أشق شَيْء ولهَذَا كَانَ صبر السُّلْطَان عَنْ الظلم، وصبر الشاب عَنْ الفاحشة، وصبر الغنى عَنْ تناول اللذات والشهوات عَنْدَ الله بمكَانَ.

وَفِي المسند وغيره عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «عجب ربك من شاب لَيْسَتْ لَهُ صبوة» . ولِذَلِكَ استحق السبعة المذكورون فِي الْحَدِيث الَّذِينَ يظلهم الله في ظِلّ عرشه لكمال صبره ومشقته، فَإِنَّ صبر الإِمَام المتسلط على العدل فِي قسمه وحكمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>