للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسهُ بأذاه أصلاً. فما نصر على حساده وعدوه بمثل الصبر عَلَيْهِ، ولا يستطل تأخيره وبغيه. فإنه كلما بغى عَلَيْهِ كَانَ بغيه جندًا وقوة للمبغي عَلَيْهِ المحسود يقاتل به الباغى نَفْسهُ، وَهُوَ لا يشعر فبغيه سهام يرميها من نَفْسهُ إِلَى نَفْسهُ.

ولو رأى المبغي عَلَيْهِ ذَلِكَ لسره بغيه عَلَيْهِ، ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي دون آخره وماله. وقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ} فإذا كَانَ الله قَدْ ضمن لَهُ النصر مَعَ أنه قَدْ استوفى حقه أولاً.

فَكَيْفَ بمن لم يستوف شَيْئًا من حقه بل بغى عَلَيْهِ وَهُوَ صابر، وما من الذُّنُوب ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم وقَدْ سبقت سُنَّة الله: «أنه لو بغى جبل على جبل لجعل الباغي منهما دكًا» .

السبب الرابع: التوكل على الله فمن يتوكل على الله فهو حسبه والتوكل من أقوى الأسباب التِي يدفع بها الْعَبْد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وَهُوَ أقوى الأسباب فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الله حسبه أي كافيه.

ومن كَانَ الله كافيه وواقيه فلا مطمَعَ فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش. وإما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا. وفرق بين الأذى الذي هُوَ فِي الظاهر إيذاء لَهُ وَهُوَ فِي الحَقِيقَة إحسان إليه وإضرار بنفسه وبين الضَّرَر الذي يتشفى به منه.

قَالَ بَعْض السَّلَف: جعل الله لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عَلَيْهِ نفس كفايته لعبده فقَالَ: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ولم يقل نؤته كَذَا وَكَذَا من الأجر كما قَالَ فِي الأَعْمَال، بل جعل نَفْسهُ سُبْحَانَهُ كافي عبده المتوكل عَلَيْهِ وحسبه وواقيه، فلو توكل الْعَبْد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل لَهُ ربه مخرجًا من ذَلِكَ وكفاه ونصره

<<  <  ج: ص:  >  >>