للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محل خواطر نَفْسهُ، وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شَيْئًا فشَيْئًا حَتَّى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية.

فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كُلّهَا فِي محاب الرب، والتقرب إليه وتمليقه وترضيه، وإستعطافه وذكره، كما يذكر المحب التام المحبة محبوبه المحسن إليه الَّذِي قَدْ امتلأت جوانحه من حبه، فلا يستطيع قَلْبهُ إنصرافًا عَنْ ذكره ولا روحه إنصرافًا عَنْ محبته.

فإذا صَارَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يرضى لنفسه أن يجعل بيت أفكاره وقَلْبهُ معمورًا بالفكر فِي حاسده والباغي عَلَيْهِ، والطَرِيق إِلَى الإنتقام منه، والتدبير عَلَيْهِ، هَذَا ما لا يتسع لَهُ إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب مرضاته.

بل إِذَا مسه طيف من ذَلِكَ واجتاز ببابه من خارجه ناداه حرس قَلْبهُ: إياك وحمى الملك، اذهب إِلَى بيوت الخانات التِي كُلّ من جَاءَ حل فيها، ونزل بها، مالك ولبيت السُّلْطَان الَّذِي أقام عَلَيْهِ اليزك وأدار عَلَيْهِ الحرس، وأحاطه بالسور.

قَالَ تَعَالَى حكاية عَنْ عدوه إبلَيْسَ، أنه قَالَ: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ، فقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}

وقَالَ: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} ، وقَالَ فِي حق الصديق يوسف صلى الله عَلَيْهِ وسَّلم: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} .

فأعظم سعادة من دخل هَذَا الحصن، وصار داخل اليزك، لقد آوى إِلَى حصن لا خوف على من تحصن به ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمَعَ للعدو فِي الدنو إليه منه. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} . وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>