للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" فصل ": السبب السابع: تجريد التوبة إِلَى الله مِنَ الذُّنُوب التي سلطت عَلَيْهِ أعداءه، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ، وقَالَ لخَيْر الخلق وهم أصحاب نبيه دونه - صلى الله عليه وسلم - {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} .

فما سلط على الْعَبْد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أَوْ لا يعلمه، وما لا يعلمه الْعَبْد من ذنوب أضعاف ما يعلمه مَنْهَا، وما ينساه مِمَّا عمله أضعاف ما يذكره، وَفِي الدُّعَاء المشهور: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنَا أعْلَمُ، واستغفرك مِمَّا لا أعْلَمُ» .

فما يحتاج الْعَبْد إِلَى الاستغفار منه مِمَّا لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلط عَلَيْهِ مؤذ إلا بذنب. ولقى بَعْض السَّلَف رجل فأغلظ لَهُ ونال منه، فقَالَ لَهُ: قف حَتَّى أدخل البيت، ثُمَّ أخَرَجَ إليك، ودخل فسجد لله وتضرع إليه وتاب وأناب إِلَى ربه.

ثُمَّ خَرَجَ إليه فقَالَ لَهُ: ما صنعت؟ فقَالَ: تبت إِلَى الله من الذنب الَّذِي سلطك به عليَّ. فلَيْسَ للعبد إِذَا بغى عَلَيْهِ وأوذي وتسلط عَلَيْهِ خصومه شَيْء أنفع لَهُ من التوبة النصوح. وعلامة سعادته: أن يعكس فكره ونظره على نَفْسهُ وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة مَنْهَا، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما أنزل به، بل يتولى هُوَ التوبة وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عَنْهُ ولا بد.

فما أسعده من عبد، وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن آثارها عَلَيْهِ، ولكن التَّوْفِيق والرشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع. فما كُلّ أحد يوفق لهَذَا، لا معرفة به، ولا إرادة لَهُ، ولا قدرة عَلَيْهِ، ولا حول ولا قوة إلا بِاللهِ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>