للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

قَالَ: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} . وتأمل حال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إذ ضربه قومه حَتَّى أدموه، فجعل يسلت الدم عَنْهُ وَيَقُولُ: «اللهم اغفر لقومي فَإِنَّهُمْ لا يعلمون» . كيف جمَعَ فِي هَذِهِ الكلمَاتَ أربع مقامَاتَ من الإحسان، قابل بها إساءتهم العظيمة إليه

أحدها: عفوه عنهم، والثاني: استغفاره لَهُمْ، والثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون، والرابع: استعطافه لَهُمْ بإضافتهم إليه " اغفر لقومي "، كما يَقُولُ الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به، هَذَا ولدي، هَذَا غلامي، هَذَا صاحبي، فهبه لي. واسمَعَ الآن ما الَّذِي يسهل هَذَا على النفس، ويطيبه إليها وينعمها به.

اعْلَمْ إن لَكَ ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفو عَنْهَا ويغفرها لَكَ ويهبها لَكَ، ومَعَ هَذَا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حَتَّى ينعم عَلَيْكَ ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله.

فإذا كنت ترجو هَذَا من ربك، وتحب أن يقابل به إساءتك فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله تلك المعاملة.

فإن الجزاء من حسن الْعَمَل، فكما تعمل مَعَ النَّاس فِي إساءتهم فِي حقك، يفعل معك فِي ذنوبك وإساءتك جزاءً وفاقًا، فانتقم بعد ذَلِكَ أَوْ اعف، وأحسن أَوْ اترك، فكما تدين تدان وكما تفعل معه يفعل معك.

فمن تصور هَذَا المعنى، وشغل به فكره، هان عَلَيْهِ الإحسان إِلَى من أساء إليه، وَهَذَا مَعَ ما يحصل لَهُ بذَلِكَ من نصر الله ومعيته الخاصة، كما قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - للذي شكي إليه قرابته، وأنه يحسن إليهم، وهم يسيئون إليه فقَالَ: «لا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذَلِكَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>