للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا مَعَ ما يتعجله من ثناء النَّاس عَلَيْهِ ويصيرون كلهم معه على خصمه فَإِنَّ كُلّ من سمَعَ إنه محسن إِلَى ذَلِكَ الغير، وَهُوَ مسيء إليه وَجَدَ قَلْبهُ ودعاءه وهمته مَعَ المحسن على المسيء وَذَلِكَ أمر فطري، فطر الله عَلَيْهِ عباده، فهو بذَلِكَ الإحسان قَدْ استخدم عسكرًا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه أقطاعًا ولا خيرًا.

هَذَا مَعَ أنه لا بد له من عدوه وحاسده من إحدى حالتين: أما أن يملكه بإحسانه، فيستعبده وينقاد لَهُ ويذل لَهُ ويبقى النَّاس إليه، وأما يفتت كبده ويقطع دابره، وإن أقام على إساءته إليه، فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه.

ومن جرب هَذَا عرفه حق المعرفة، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ والمعين، بيده الْخَيْر كله، لا إله غيره، وَهُوَ المسئول أن يستعملنا وإخواننا فِي ذَلِكَ بمنه وكرمه وَفِي الجملة ففي هَذَا المقام من الفَوَائِد ما يزيد على مائة منفعة للعبد عاجلة وآجلة.

السبب العاشر: وَهُوَ الجامَعَ لِذَلِكَ كله، وعَلَيْهِ مدار هَذِهِ الأسباب وَهُوَ تجريد التَّوْحِيد، والترحل بالفكر فِي الأسباب إِلَى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بإن هَذِهِ الآيات بمنزلة حركات الرياح وهي بيد محركها، وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه.

فهو الَّذِي يحسن عبده بها، وَهُوَ الَّذِي يصرفها عَنْهُ وحده لا أحد سواه، قَالَ تَعَالَى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} .

وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «واعْلَمْ أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشَيْء لم ينفعوك إلا بشَيْء كتبه الله لَكَ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشَيْء لم يضروك إلا بشَيْء كتبه الله عَلَيْكَ» .

فيرى أن أعماله فكرة فِي أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص

<<  <  ج: ص:  >  >>