للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أمرهم بالصبر عَلَيْهَا إفهامًا لخلقه أَنَّ الدُّنْيَا دار بَلاءٍ واختبارٍ، لا دار مقامٍ ولذةٍ، واستقرارٍ، وأنها محدودة الأجل، مقصود مَنْهَا صالح الْعَمَل.

فَانْظُرْ إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلام وما نزل به الآلام والأحزان أَخْرَجَهُ الله بفتنة إبلَيْسَ من جنته وأهبطه إِلَى الأَرْض ليعمرها هُوَ وأبناؤه، وهي دار العناء والفناء وذاق ثكل ولده هابيل باعتداء أخيه عَلَيْهِ قابيل.

وانظر أول رسول أرسل إِلَى أَهْل الأَرْض نوح عَلَيْهِ وعلى نبينا أفضل الصَّلاة والسَّلام وقَدْ مكث يدعو قومه ألف سُنَّة إلا خمسين عامًا (٩٥٠) وهم يهزؤون ويسخرون منه يدعوهم ليلاً ونهارًا سرًا وجهارًا ولم يتوانَا ولم يضجر ولم يمل بل واصل الجهود النبيلة الْخَالِصَة الكريمة بلا مصلحة لَهُ ولا منفعة مِنْهُمْ.

ويحتمل فِي سبيل هَذِهِ الدعوة الاستكبار والإعراض، هَذِهِ المدة الطويلة والمستجيبون لا يزيدون، والمعرضون فِي زيادة، ولما أيس من إيمانهم أمر أن يصنع الفلك فكَانُوا إِذَا مروا عَلَيْهِ ضحكوا منه وسخروا وقَالُوا كَانَ بالأمس نبيًا والْيَوْم نجارًا ولا يزيد من جوابه على أن يَقُولُ: {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحَِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} .

وزَادَ بلاؤه أن أُغْرِقَ ابنه ينظر إليه ولا يستطيع لَهُ إنقاذًا إذ قَدْ غلب على الابن الشقاء فناجى ربه نوح فقَالَ لَهُ ربه: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} .

ثُمَّ انظر إِلَى شيخ المرسلين وَجَدَ الْمُسْلِمِين خليل الرحمن عَلَيْهِ السَّلام وما تجرع من الغصص والآلام فقَدْ جد فِي دعوة أبيه إِلَى التَّوْحِيد حَتَّى هدده أبوه بالرجم والتعذيب وقومه قَالُوا: اقتلوه أَوْ احرقوه ثُمَّ ما جرى عَلَيْهِ حين أمر بذبح ابنه فأقَدِمَ عَلَى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>