وَالْجِنُّ مِثْلُ الإِنْسِ يَجْرِي فِيهِمُوا ... حُكْمُ الْقَضَاءِ بِحُلْوِهِ وَبِمُرِّهِ
فَإِذَا الْمَرِيدُ أَتَى لِيَخْطِفَ خَطْفَةً ... جَاءَ الشِّهَابُ بِحَرْقِهِ وَبِزَجْرِهِ
وَنَبِيُّ صِدْقٍ لا يَزَالُ مُكَذِّبًا ... يُرْمَى بِبَاطِلِ قَوْلِهِمْ وَبِسِحْرِهِ
وَمُحَقِّقٌ فِي دِينِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ ... ضِدٍّ يُوَاجِهُهُ بِتُهْمَةِ كُفْرِهِ
وَالْعَالِمْ الْمُفْتِي يَظَلُّ مُنَازَعًا ... بِالْمُشْكِلاتِ لَدَى مَجَالِسِ ذِكْرِهِ
وَالْوَيْلُ إِنْ زَلَّ اللِّسَانُ فَلا يَرَى ... أَحَدًا يُسَاعِدُ فِي إِقَامَةِ عُذْرِهِ
وَأَخُو الدِّيَانَةِ دَهْرُهُ مُتَنَغِّصٌ ... يَبْغِي التَّخَلُّصَ مِنْ مَخَاوِفِ قَبْرِهِ
أَوْ مَا تَرَى الْمَلِكَ الْعَزِيزَ بِجُنْدِهِ ... رَهْنَ الْهُمُومِ عَلَى جَلالَةِ قَدْرِهِ
فَيَسُّرُّهُ خَبَرٌ وَفِي أَعْقَابِهِ ... هَمٌّ تَضِيقُ بِهِ جَوَانِبُ قَصْرِهِ
وَأَخُو التِّجَارَةِ حَائِرٌ مُتَفِكِّرٌ ... مِمَّا يُلاقِي مِنْ خَسَارَةِ سِعْرِهِ
وَأَبُو الْعِيَالِ أَبُو الْهُمُومِ وَحَسْرَة الرَّ ... جُلِ الْعَقِيمِ كَمِينَةٌ فِي صَدْرِهِ
وَتَرَى الْقَرِين مُضْمِّرًا لِقَرِينِهِ ... حَسَدًا وَحِقْدًا فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِ
وَلَرُبَّ طَالِبُ رَاحَةٍ فِي نَوْمِهِ ... جَاءَتْهُ أَحْلامٌ فَهَامَ بِأَمْرِهِ
وَالطِّفْلُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَخْرُجْ إِلَى ... غُصَصِ الْفِطَامِ تَرُوعُهُ فِي صِغْرِهِ
وَلَقَدْ حَسَدْتَ الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا
د ... فَوَجَدْتُ مِنْهَا مَا يُصَادُ بِوَكْرِهِ
وَالْوَحْشُ يَأْتِيهِ الرَّدَى فِي بَرِّهِ ... وَالْحُوتُ يَأْتِي حَتْفُهُ فِي بَحْرِهِ
وَلَرُبَّمَا تَأْتِي السِّبَاعُ لِمَيِّتٍ ... فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ قَرَارهِ قَبْرِهِ
كَيْفَ الْتِذَاذُ أَخِي الْحَيَاةَ بِعَيْشِهِ ... مَا زَالَ وَهُوَ مُرَوَّعٌ فِي أَمْرِهِ
تَاللهِ لَوْ عَاشَ الْفَتَى فِي أَهْلِهِ ... أَلْفًا مِن الأَعْوَامِ مَالِكَ أَمْرِهِ
مُتَلَذِّذًا مَعَهُمْ بِكُلِّ لَذِيذَةٍ ... مُتَنَعِّمًا بِالْعَيْشِ مُدَّةَ عُمْرِهِ
لا يَعْتَرِيهِ النَّقْصُ فِي أَحْوَالِهِ ... كَلا وَلا تَجْرِي الْهُمُومُ بِفِكْرِهِ
مَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يَفِي ... بِنُزُولِ أَوِّلِ لَيْلَةٍ فِي قَبْرِهِ
كَيْفَ التَّخَلُّصُ يَا أَخِي مِمَّا تَرَى ... صَبْرًا عَلَى حُلْو الْقَضَاءِ وَمُرِّهِ