فلولا أنه سُبْحَانَهُ يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء، لطغوا وبغوا وعتوا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ إِذَا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء - من الابتلاء والامتحان - عَلَى قَدْرِ حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة؛ حَتَّى إِذَا هذبه وصفاه أهلَّه لأشرف مرا تب الدُّنْيَا - وهي عبوديته - وأرفع ثواب الآخِرَة، وَهُوَ رؤيته وقربه.
ومن علاجها: أن يعلم أن مرارة الدُّنْيَا هِيَ بعينها حلاوة الآخِرَة، يقابلها الله سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ؛ وحلاوة الدُّنْيَا هِيَ بعينها مرارة الآخِرَة ولأن ينتقل من مرارة منقطعة، إِلَى حلاوة دائِمَّة خَيْر لَهُ من عكس ذَلِكَ.
وَفِي هَذَا المقام تفاوتت عقول الخلائق، وظهرت حقائق الرِّجَال فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة، على الحلاوة الدائِمَّة التي لا تزول، ولم يحتمل مرارة ساعة بحلاوة الأبد، ولا ذل ساعة لعز الأبد، ولا محنة ساعة لعافية الأبد. فَإِنَّ الحاضر عنده شهادةٌ، والمنتظر غيبٌ، والإِيمَان ضعيفٌ، وسلطان الشهوة حاكم. فتولد مَعَ ذَلِكَ إيثار العاجلة، ورفض الآخِرَة.
وَهَذَا حال النظر الواقع على ظواهر الأمور وأوائلها ومبادئها، وأما النظر الثاقب الَّذِي يخرق حجب العاجلة، ويجاوزه إِلَى العواقب والغايات، فله شأنٌ آخر.
فادع نفسك إِلَى ما أعد الله لأوليائه وأَهْل طاعته من النَّعِيم المقيم، والسعادة الأبدية، والفوز الأكبر، وما أعد لأَهْل البطالة والإضاعة من الخزي والعقاب، والحسرات الدائِمَّة، ثُمَّ اختر أي القسمين أليق بك. و {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} ، وكل أحد يصبو إِلَى ما يناسبه وما هُوَ الأولى به. ولا تستطل هَذَا العلاج فشدة الحاجة إليه - من الطبيب العليل - دعت إِلَى بسطه. وبِاللهِ التَّوْفِيق.