للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذراعا» . ويجوز أن يرجع الضمير في: (أُتُوا بِهِ) إلى الرزق، كما أن هذا إشارة إليه، ويكون المعنى: أن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانساً في نفسه، كما يحكى عن الحسن: يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بالأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل، فيقول الملك: كل، فاللون واحد والطعم مختلف. وعنه صلى اللَّه عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده»

، إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدّل اللَّه مكانها مثلها» فإذا أبصروها والهيئة هيئة الأولى قالوا ذلك. والتفسير الأوّل هو هو. فإن قلت: كيف موقع قوله: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) من نظم الكلام؟ قلت: هو كقولك: فلان أحسن بفلان ونعم ما فعل. ورأى من الرأى كذا وكان صوابا. ومنه قوله تعالى: (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) وما أشبه ذلك من الجمل التي تساق في الكلام معترضة للتقرير.

والمراد بتطهير الأزواج: أن طهرن مما يختص بالنساء من الحيض والاستحاضة، وما لا يختص بهنّ من الأقذار والأدناس. ويجوز لمجيئه مطلقاً: أن يدخل تحته الطهر من دنس الطباع وطبع الأخلاق الذي عليه نساء الدنيا، مما يكتسبن بأنفسهنّ، ومما يأخذنه من أعراق السوء والمناصب الرديئة والمناشئ المفسدة، ومن سائر عيوبهنّ ومثالبهنّ وخبثهنّ وكيدهنّ. فان قلت: فهلا جاءت الصفة مجموعة كما في الموصوف؟ قلت: هما لغتان فصيحتان.

يقال: النساء فعلن، وهنّ فاعلات وفواعل، والنساء فعلت، وهي فاعلة. ومنه بيت الحماسة:

وإذَا العَذَارَى بِالدُّخَانِ تَقَنَّعَتْ … واسْتَعْجَلَتْ نَصْبَ القُدُورِ فملَّتِ «٢»


(١) . أخرجه الطبراني والبزار والحاكم من حديث ثوبان بلفظ «لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرها شيئا إلا أخلف اللَّه مكانها مثلها» ولفظ البزار: «إلا أعيد في مكانها مثليها» على التثنية. وسيأتى في آخر الزخرف.
(٢) .
وإذا العذارى بالدخان تقنعت … واستعجلت نصب القدور فملت
دارت بأرزاق العناة مغالق … بيدي من قمع العشار الجلة
ولقد رأيت ثأى العشيرة بينها … وكفيت جانبها اللتيا والتي
لسلمى بن ربيعة بن جفنة الضبي وشبه استتار الأبكار بالدخان أو سوادهن به باستتارهن بالقناع على طريق التصريح أو شبه الدخان به على طريق المكنية. وملت: شوت المليل بأن تضع اللحم أو الخبز على الجمر فينضج. ويروى «درت» بدل «دارت» أى كثر بذلها. والعفاة: طلاب الرزق. والمغالق: سهام الميسر التي تغلق الحظر وتثبته للغالب. والقمع: قطع السنام جمع قمع. والعشار: النوق التي مضى على حملها عشرة أشهر. والجملة: السمان العظيمات السنام، جمع جليل كصبية جمع صبى، أى إذا جدب الزمان، حتى أن الأبكار مع فرط حيائهن وصونهن، يقبلن على الدخان ويشتوين على الجمر، ويأكلن ولا يصبرن لنضج القدور من الجوع بذلت للناس بكثرة. ويحتمل أن مخدراته تباشر تنضيج قرى الضيفان بأنفسهن فيبذله لهم. والأول أبلغ. ورأيت: أصلحت. والثأى الفساد وكفيت من جنى منها. ويروى «جانبها» بالموحدة الداهية الصغيرة والكبيرة. واللتيا: تصغير التي كغيرها من الموصولات التي سمع تصغيرها، وزيدت الألف في آخرها عوضا عن ضم التصغير، وهي بفتح اللام. وقال الأخفش بضمها على قياس التصغير وإن كان شاذا في الأسماء المبنية كما هنا. واستغنت عن الصلة لنقلها بالتصغير عن معنى الموصولية وحمل عليها «التي» لأنها لما ذكرت في مقابلتها كان معناها الداهية العظيمة فلم يكن قصد إلى معنى الموصولية أيضا. وقيل يجوز حذف الصلة لدليل، فيقدر هنا: اللتيا صغرت، والتي عظمت. ثم إن هذا من قبيل الأمثال السائرة. وأصله أن رجلا تزوج امرأة قصيرة فقاسى منها الشدائد، ثم زوج طويلة أيضا فقاسى ضعف ذلك، فطلقهما وقال: بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبداً.