للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجملة لأن التقدير: هو بعوضة، فحذف صدر الجملة كما حذف في: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) ووجه آخر حسن جميل، وهو أن تكون التي فيها معنى الاستفهام لما استنكفوا من تمثيل اللَّه لأصنامهم بالمحقرات قال: إنّ اللَّه لا يستحي أن يضرب للأنداد ما شاء من الأشياء المحقرة مثلا، بله البعوضة فما فوقها، كما يقال: فلان لا يبالى بما وهب ما دينار وديناران. والمعنى:

أن للَّه أن يتمثل للأنداد وحقارة شأنها بما لا شيء أصغر منه وأقل، كما لو تمثل بالجزء الذي لا يتجزأ وبما لا يدركه «١» لتناهيه في صغره إلا هو وحده بلطفه، أو بالمعدوم، كما تقول العرب:

فلان أقل من لا شيء في العدد. ولقد ألم به قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) وهذه القراءة تعزى إلى رؤبة بن العجاج، وهو أمضغ العرب للشيح والقيصوم، والمشهود له بالفصاحة، وكانوا يشبهون به الحسن، وما أظنه ذهب في هذه القراءة إلا إلى هذا الوجه، وهو المطابق لفصاحته. وانتصب (بَعُوضَةً) بأنها عطف بيان لمثلا. أو مفعول ليضرب، و (مَثَلًا) حال عن النكرة مقدمة عليه. أو انتصبا مفعولين فجرى «ضرب» مجرى «جعل» . واشتقاق البعوض من البعض وهو القطع كالبضع والعضب. يقال: بعضه البعوض. وأنشد:

لَنِعْمَ البَيْتُ بَيْتُ أَبى دِثارٍ … إذَا مَا خافَ بعضُ القَوْمِ بَعْضَا «٢»

ومنه: بعض الشيء لأنه قطعه منه. والبعوض في أصله صفة على فعول كالقطوع فغلبت.

وكذلك الخموش «٣» فَما فَوْقَها فيه معنيان: أحدهما: فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا، وهو القلة والحقارة، نحو قولك- لمن يقول: فلان أسفل الناس وأنذلهم-:


(١) . قوله «وبما لا يدركه» لعله: أو بما. (ع)
(٢) . المراد بالبيت: الكلة التي تمنع البعوض ليالي الصيف عمن فيها: وأبو دثار: اسم رجل. والدثار:
ما يلبس فوق الثياب إذا خاف بعض القوم بعض البعوض، أى قطعه ولسعه. ويحتمل أن المعنى: نعم المأوى والملجأ بيت أبى دثار، أخاف بعض الناس من شر بعضهم. ففيه التورية وهي من بديع الكلام.
(٣) . قوله «وكذلك الخموش» في الصحاح: الخموش- بالفتح-: البعوض. (ع) [.....]