للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا؟ مَثَلًا نصب على التمييز كقولك لمن أجاب بجواب غث: ماذا أردت بهذا جوابا.

ولمن حمل سلاحا رديا. كيف تنتفع بهذا سلاحا؟ أو على الحال، كقوله: (هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً) . وقوله: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً جاز مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدّرتين بأما، وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة، وأنّ العلم بكونه حقاً من باب الهدى الذي ازداد به المؤمنون نوراً إلى نورهم، وأنّ الجهل بحسن مورده من باب الضلالة التي زادت الجهلة خبطا في ظلمائهم. فإن قلت: لم وصف المهديون بالكثرة- والقلة صفتهم «١» ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ، (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ، الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، وجدت الناس أخبر تقله؟ قلت: أهل الهدى كثير في أنفسهم، وحين يوصفون بالقلة إنما يوصفون بها بالقياس إلى أهل الضلال. وأيضاً فإنّ القليل من المهديين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة، فسموا ذهاباً إلى الحقيقة كثيراً:

إنَّ الكِرَامَ كثِيرٌ في البِلادِ وإنْ … قَلُّوا كَمَا غَيْرُهُمْ قَلُّ وإنْ كَثُروا «٢»

وإسناد الإضلال إلى اللَّه تعالى إسناد الفعل إلى السبب «٣» : لأنه لما ضرب المثل فضل به قوم


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: فان قلت: كيف وصف المهديون بالكثرة … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: جوابه صحيح، وتنظيره بالبيت وهم لأن الشاعر إنما ذهب إلى أن عدد الكرام وإن كان قليلا في نفسه فالواحد منهم لعموم نفعه وانبساط كرمه يقوم مقام ألف من جنسه مثلا. وعدد اللئام وإن كثروا فالأكثرون منهم يعدون بواحد من غيرهم، لعل أيديهم وانقباضها عن الجود، وعدم تعدى نفع منهم إلى غيرهم، كقول ابن يزيد:
الناس ألف منهم كواحد … وواحد كألف ان أمر عرا
وأما الآية فمضمونها أن عدد المهديين كثير في نفسه، ومضمون الآيات الأخر أن عددهم قليل بالنسبة إلى كثرة عدد الضالين، فعبر عنه تارة بالكثرة نظراً إلى ذاته، وتارة بالقلة نظراً إلى غيره، فليس معنى البيت من الآية في شيء.
(٢) . القل- بالفتح-: القليل، وهو المراد. وبالضم: بمعنى القلة، ويستعمل بمعنى القليل أيضا. وبالكسر: الارتعاد غضباً. يقول: إن الكرام في الدنيا كثير لكثرة خيرهم، لأن الكريم يقاوم ألف لئيم، والحال أنهم قليل في العدد كما أن غيرهم- يعنى اللئام- قليل في الخير وإن كثروا في العدد. فوجه الشبه اجتماع الكثرة والقلة في كل على التوزيع.
(٣) . قال محمود رحمه اللَّه: «ونسبة الإضلال إلى اللَّه تعالى من إسناد الفعل إلى السبب … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: جرى على سنة السببية في اعتقاد أن الاشراك باللَّه وأن الإضلال من جملة المخلوقات الخارجة عن عدد مخلوقاته عز وجل، بل من مخلوقات العبد لنفسه على زعم هذه الطائفة- تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علواً كبيراً- وانظر إلى ضيق الخناق، فغلبة الحكايات لاطلاقات المشايخ فرتب عليها حقائق العقائد، وهذا من ارتكاب الهوى واقتحام الهلكة. وما أشنع تصريحه بأن اللَّه سبب الإضلال لا خالقه كما أن السلة سبب في وضع القيود في رجلي المحبوس، وإسناد الفعل للَّه عز وجل مجاز لا حقيقة، كما أن إسناد الفعل إلى البلد كذلك! يا له من تمثيل صار به مثلة، وتنظير صار به حائداً عن النظر الصحيح، مردود على التفصيل والجملة. نسأل اللَّه تعالى العصمة من أمثال هذه الزلة، وهو ولى التوفيق.