للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واهتدى به قوم، تسبب لضلالهم وهداهم. وعن مالك بن دينار رحمه اللَّه أنه دخل على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد، فقال: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من القيود؟ فرفع مالك رأسه فرأى سلة. فقال: لمن هذه السلة؟ فقال: لي، فأمر بها تنزل، فإذا دجاج وأخبصة، فقال مالك:

هذه وضعت القيود على رجلك. وقرأ زيد بن على: يَضل به كثير. وكذلك: وما يَضل به إلا الفاسقون. والفسق: الخروج عن القصد. قال رؤبة:

فَوَاسِقاً عَنْ قَصْدِها جَوَائرَا «١»

والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر اللَّه بارتكاب الكبيرة، وهو النازل بين المنزلتين «٢» أى بين منزلة المؤمن والكافر، وقالوا إنّ أوّل من حدّ له هذا الحدّ: أبو حذيفة واصل بن عطاء رضى اللَّه عنه وعن أشياعه «٣» . وكونه بين بين أنّ حكمه حكم المؤمن في أنه يناكح ويوارث ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين. وهو كالكافر في الذمّ واللعن والبراءة منه واعتقاد عداوته، وأن لا تقبل له شهادة. ومذهب مالك بن أنس والزيدية: أنّ الصلاة لا تجزئ خلفه. ويقال للخلفاء المردة من الكفار: الفسقة. وقد جاء الاستعمالان في كتاب اللَّه. (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) . يريد اللمز والتنابز (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) .

النقض: الفسخ وفك التركيب. فإن قلت: من أين ساغ استعمال النقض في إبطال العهد؟

قلت: من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة، لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين. ومنه قول ابن التيهان في بيعة العقبة: يا رسول اللَّه، إنّ بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها، فنخشى إنّ اللَّه عز وجل أعزّك وأظهرك أن ترجع إلى قومك»

» وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار، ثم يرمزوا إليه بذكر شيء من


(١) .
فواسقا عن قصدها جوائرا … يذهبن في نجد وغورا غائرا
لرؤبة بن العجاج، وقيل لذي الرمة، يصف نوفا تمشى في المفاوز، خارجات عن طريق الاستقامة، مجاوزات حده.
وبين ذلك بقوله: يذهبن: وروى: يهوين، أى يسرعن تارة في مكان مرتفع، وتارة في غور: أى في مكان كثير الانخفاض. فغورا: نصب على الظرفية. وغائرا: وصف مؤكد.
(٢) . قوله «وهو النازل بين المنزلتين» هذا عند المعتزلة، وأما عند أهل السنة فهو مؤمن، والفسق لا يخرجه عن الايمان. (ع)
(٣) . قوله «وعن أشياعه» هم المعتزلة. (ع)
(٤) . أخرجه ابن إسحاق في المغازي في قصة العقبة من رواية كعب بن مالك- فذكر القصة وفيها «فاعترض القول أبو الهيثم بن التيهان فذكره بطوله. وأخرجه أحمد والطبراني والبيهقي في الدلائل، كلهم من طريقه.