للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرئ تسقى بضم التاء من أسقى مُسَلَّمَةٌ سلمها اللَّه من العيوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها منه كقوله:

أَوْ مَعْبَرَ الظَّهْرِ يُنْبِى عَنْ وَلِيَّتِهِ … مَا حَجَّ رَبُهُ فِى الدُّنْيَا وَلَا اعْتَمَرَا «١»

أو مخلصة اللون، من سلم له كذا إذا خلص له، لم يشب صفرتها شيء من الألوان لا شِيَةَ فِيها لا لمعة في نقبتها «٢» من لون آخر سوى الصفرة، فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها. وهي في الأصل مصدر وشاه وشيا وشية، إذا خلط بلونه لونا آخر، ومنه ثور موشى القوائم جِئْتَ بِالْحَقِّ أى بحقيقة وصف البقرة، وما بقي إشكال في أمرها فَذَبَحُوها أى فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها. وقوله وَما كادُوا يَفْعَلُونَ استثقال لاستقصائهم واستبطاء لهم، وأنهم لتطويلهم المفرط وكثرة استكشافهم، ما كادوا يذبحونها، وما كادت تنتهي سؤالاتهم، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم. وقيل: وما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها. وقيل: لخوف الفضيحة في ظهور القاتل.

وروى أنه كان في بنى إسرائيل شيخ صالح له عجِلة فأتى بها الغيضة «٣» وقال: اللهم إنى أستودعكها لابنى حتى يكبر، وكان براً بوالديه، فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنه، فساوموها اليتيم وأمّه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير


(١) . أنشده سيبويه. ويقال: أعبرت الشاة فهي معبرة، إذا كثر صوفها لتركها سنة من غير جز، فالظهر المعبر: المتروك من الجز فيكثر وبره، أو لأنه لا وبر عليه فيحز. ولعل المراد هنا المتروك من الحمل عليه. وقيل:
المنجرد الشعر. ونبا عنه ينبو: انحرف. وأنبيته: حرفته وأبعدته، فما هنا معناه يمنع غيره عن ركوب وليته.
وظاهر كلام بعضهم أنه يقال: نبى ينبي، كرمى يرمى، إذا انحرف. وأن ما هنا منه، أى ينفر عن وليته: أى برذعته، لأنها تلى الجلد. وربه باختلاس الحركة للوزن، بمعنى صاحبه. والمعنى: أنه بعير متروك من العمل فهو مصعب ينفر من الراكب، لأنه لم يسافر أصلا حتى أن صاحبه لا حج ولا اعتمر: وظاهر كلام بعضهم أن «ربه» هي رب التي هي حرف جر، فتكون جارة للضمير بلا تمييز لتقدم مرجعه، ودالة على تحقيق النفي مجازاً عن معنى التكثير وهي اعتراض بين المتعاطفين. وإسناد الفعلين لضمير البعير مجاز عقلى، لأنه من آلات الحج والاعتمار.
وقائل ذلك فسره بأنه منجرد الظهر ينفر من برذعته لدبره من كثرة الأسفار. ما سافر لحج ولا اعتمار، وإنما يسافر إلى الأعداء. ولو جعل معناه كما تقدم لجاز. فالمعنى أنه مصعب لم يركب ولم يسافر أصلا، حتى أنه لم يسافر لحج ولا عمرة وهو ظاهر.
(٢) . قوله «لا لمعة في نقبتها» في الصحاح: النقبة اللون والوجه. (ع)
(٣) . قوله «فأتى بها الغيضة» في الصحاح: الغيضة الأجمة، وهي مغيض ماء يجتمع فيه فينبت فيه الشجر. (ع)