وفي البخاري من حديث أبى سعيد الخدري. قال «يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير. فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمدا وأمته. فيشهدون أنه بلغ ثم قرأ (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) - الآية ورواه البيهقي في البعث والنشور من رواية أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيء النبي يوم القيامة ومعه الثلاثة والأربعة والرجلان، حتى يجيء النبي وليس معه أحد، فتدعى أمة محمد فيشهدون أنهم بلغوا. فيقال لهم: وما علمكم أنهم بلغوا فيقولون: جاءنا رسولنا بكتاب أخبرنا فيه أنهم قد بلغوا فصدقنا. قال فيقال: صدقتم. وذلك قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) . (٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت: فهلا قيل لكم شهيداً وشهادته لهم لا عليهم … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: وجه الاستدلال بالآية أنه وصف اللَّه تعالى في أولها بالرقيب وفي آخرها بالشهيد على وجه التخصيص أولا ثم التعميم ثانيا: وإنما ينتظم التعميم والتخصيص مع اتحاد مؤدى الرقيب والشهيد، إذ الآية في مثل قول القائل لمن شكره: كنت محسنا إلى وأنت بكل أحد محسن. وكأنه لما قال: (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وكان ذلك مخصصا لرقيبته تعالى على بنى إسرائيل، أراد أن يصفه بما هو أهله حتى ينفى وهم الخصوصية فقال في التقدير: وأنت على كل شيء كذلك، فوضع «شهيداً» موضع «كذلك» المشار به إلى رقيبيته، فلا يتم الاستدلال بها إلا على هذا الوجه. وفيه غموض على كثير من الأفهام واللَّه الموفق. (٣) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت: لم أخرت صلة الشهادة أولا وقدمت آخراً … الخ؟» قال أحمد رحمه اللَّه: لأن المنة عليهم في الطرفين، ففي الأول بثبوت كونهم شهداء وفي الثاني بثبوت كونهم مشهوداً لهم بالتزكية خصوصاً من هذا الرسول المعظم ولو قدم شهيداً لانتقل الغرض إلى الامتنان على النبي عليه الصلاة والسلام بأنه شهيد. وسياق الخطاب لهم والامتنان عليهم يأباه. وإنما أخذ الزمخشري الاختصاص من التقديم لأن فيه إشعار بالأهمية والعناية، وكثيراً ما يجرى أى ذلك في أثناء كلامه، وفيه نظر.