للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأوّل إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ليست بصفة للقبلة إنما هي ثانى مفعولي جعل. يريد: وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، لأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلى بمكة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود، ثم حوّل إلى الكعبة فيقول: وما جعلنا القبلة التي تجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أوّلا بمكة، يعنى: وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء لِنَعْلَمَ الثابت على الإسلام الصادق فيه، ممن هو على حرف ينكص عَلى عَقِبَيْهِ لقلقه فيرتدّ، كقوله: (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) - الآية ويجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته. يعنى أنّ أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وأن استقبالك بيت المقدس كان أمرا عارضا لغرض. وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا- وهي بيت المقدس، لنمتحن الناس وننظر من يتبع الرسول منهم ومن لا يتبعه وينفر عنه. وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه: كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه «١» . فإن قلت:

كيف قال: (لِنَعْلَمَ) ولم يزل عالما بذلك؟ قلت: معناه: لنعلمه علما يتعلق به الجزاء، وهو أن يعلمه موجوداً حاصلا ونحوه: (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) . وقيل: ليعلم رسول اللَّه والمؤمنون.

وإنما أسند علمهم إلى ذاته، لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده. وقيل: معناه لتميز التابع من الناكص، كما قال: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) فوضع العلم موضع التمييز لأنّ العلم به يقع التمييز به وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً هي إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة. والضمير في: (كانت) لما دل عليه قوله: (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) من الردّة، أو التحويلة، أو الجعلة. ويجوز أن يكون للقبلة (لَكَبِيرَةً) لثقيلة شاقة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ إلا على الثابتين الصادقين في اتباع الرسول الذين لطف اللَّه بهم وكانوا أهلا للطفه وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أى ثباتكم على الايمان وأنكم لم تزلوا ولم ترتابوا، بل شكر صنيعكم وأعدّ لكم الثواب العظيم. ويجوز أن يراد: وما كان اللَّه ليترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة وإضاعة لإيمانكم. وقيل: من كان صلى إلى بيت المقدس قبل


(١) . أخرجه إسحاق وابن سعد والبزار. والطبراني من رواية مجاهد عن ابن عباس: قال «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى بمكة نحو بيت المقدس. والكعبة بين يديه. وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا» قال البزار لا يعلم رواه عنه إلا الأعمش ولا عنه إلا أبو عوانة.