للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ عطاء منه وتفضلا، وهو النفع والربح بالتجارة، وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج، وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم تقم لهم سوق، ويسمون من يخرج بالتجارة الداجّ «١» . ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج. وقيل: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يتجرون فيها في أيام الموسم. وكانت معايشهم منها، فلما جاء الإسلام تأثموا، فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم، وإنما يباح ما لم يشغل عن العبادة، وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه: أن رجلا قال له: إنا قوم نكرى في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أن لا حج لنا، فقال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عما سألت فلم يردّ عليه، حتى نزل (ليس عليكم جناح) فدعا به فقال: أنتم حجاج «٢» . وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه قيل له: هل كنتم تكرهون التجارة في الحج؟ فقال: وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج «٣» . وقرأ ابن عباس رضى اللَّه عنهما: فضلا من ربكم في مواسم الحج. إن تبتغوا في أن تبتغوا «٤» أَفَضْتُمْ دفعتم بكثرة، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة، وأصله أفضتم أنفسكم، فترك ذكر المفعول كما ترك في دفعوا من موضع كذا وصبوا. وفي حديث أبى بكر رضى اللَّه عنه «٥» : صب في دقران، وهو يخرش «٦» بعيره بمحجنه» ويقال: أفاضوا في الحديث وهضبوا فيه «٧» . وعَرَفاتٍ علم للموقف سمى بجمع كأذرعات. فإن قلت: هلا مُنعت الصرف وفيها السبيان: التعريف والتأنيث؟ «٨»


(١) . قوله «الداج» الدجيج: الدبيب في السير وقالوا: الحاج والداج، فالداج: الأعوان والمكارون كذا في الصحاح. والمكارون: جمع المكاري، كالمغازين جمع المغازي. (ع)
(٢) . أخرجه أبو داود وأحمد وابن أبى شيبة والحاكم من طريق العلاء بن المسيب: حدثنا أبو أمامة التيمي قال «كنت أكرى في هذا الوجه وكان قوم يقولون: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر، فقال: ألست بمحرم، ولكن- الحديث»
(٣) . أخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن مهاجر عن أبى صالح مولى عمر. قال «قلت: يا أمير المؤمنين- فذكره» وفي إسناده مندل بن على. وهو ضعيف.
(٤) . قوله «أن تبتغوا» كان الأوجه تقديم هذا على تفسير قوله تعالى: (فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) . (ع)
(٥) . لم أجده. والذي في الغرائب لأبى عبيد الجرمي. وفي مسند الشافعي وطبقات ابن سعد كلهم من حديث ابن عيينة عن ابن المنكدر، وعن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن جبير بن الحويرث قال «رأيت أبا بكر على قزع. وهو يخرش بعيره بمحجنه» : زاد الجرمي عن أبى بكر بن أبى شيبة عن ابن عيينة «كأنى أنظر إلى فخذه وقد انكشفت»
(٦) . قوله «دقران» في بعض النسخ: ذفران، بالذال المعجمة والفاء. ولعل الأول بالدال المهملة والفاء، من الدفر بمعنى النتن خاصة. والذفر- بالمعجمة والفاء محركة- ذكاء الرائحة طيبة أو خبيثة، كما في الصحاح. أما الدقر بالمهملة والقاف فبمعنى الشدة والكذب والفحش والنميمة. أفاده الصحاح. وفيه. الخرش مثل الخدش. (ع)
(٧) . قوله «وهضبوا فيه» في الصحاح: الهضبة المطرة. وهضب القوم في الحديث واهتضبوا أى أفاضوا فيه. (ع)
(٨) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت هلا منعت عرفات الصرف … الخ» ؟ قال أحمد رحمه اللَّه: يلزمه إذا سمى امرأة بمسلمات أن لا يصرفه فيقول: هذا مسلمات بغير تنوين، وهو قول ردىء بل الأفصح الصحيح في مسلمات إذا سمى به أن ينون. وإنما بنى الزمخشري كلامه هذا على أن تنوين عرفات للتمكين لا للمقابلة، ولذلك أسقط تنوين المقابلة من أنواع التنوين التي عدها في مفصله، على أنه راجع إلى تنوين التمكين. [.....]