للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا يخلو من التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها، وإما بتاء مقدرة كما في سعاد، فالتي في لفظها ليست للتأنيث، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها، لأنّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا يقدر تاء التأنيث في بنت، لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها. وقالوا: سميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصرها عرفها. وقيل إن جبريل حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها فقال: قد عرفت. وقيل: التقى فيها آدم وحوّاء فتعارفا. وقيل: لأنّ الناس يتعارفون فيها واللَّه أعلم بحقيقة ذلك، وهي من الأسماء المرتجلة لأنّ العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس إلا أن تكون جمع عارف. وقيل: فيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأنّ الإفاضة لا تكون إلا بعده. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج» «١» فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات. وقيل: بصلاة المغرب والعشاء والْمَشْعَرِ الْحَرامِ قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة. وقيل المشعر الحرام: ما بين جبل المزدلفة من مأزمى عرفة «٢» إلى وادى محسر، وليس المأزمان ولا وادى محسر من المشعر الحرام. والصحيح أنه الجبل، لما روى جابر رضى اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما صلى الفجر يعنى بالمزدلفة بغلس، ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر «٣» . وقوله تعالى: (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) معناه مما يلي المشعر الحرام قريبا منه، وذلك للفضل، كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادى محسر. أو جعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر. والمشعر: المعلم، لأنه معلم العبادة.

ووصف بالحرم لحرمته. وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه نظر إلى الناس ليلة جمع فقال: لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون. وقيل: سميت المزدلفة وجمعا لأنّ آدم صلوات اللَّه عليه اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها، أى دنا منها. وعن قتادة: لأنه يجمع فيها بين الصلاتين. ويجوز أن يقال: وصفت بفعل أهلها، لأنهم يزدلفون إلى اللَّه أى يتقرّبون بالوقوف فيها كَما هَداكُمْ


(١) . رواه أصحاب السنن والحاكم. واللفظ للنسائى. وزاد «قبل أن يطلع الفجر» كلهم من حديث عبد الرحمن ابن يعمر الديلي رضى اللَّه عنه
(٢) . قوله «من مأزمى عرفة» في الصحاح: المأزم المضيق، وموضع الحرب أيضا. (ع)
(٣) . أخرجه مسلم في صفة الحج في الحديث الطويل.