للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما مصدرية أو كافة. والمعنى: واذكروه ذكراً حسنا كما هداكم هداية حسنة واذكروه كما علمكم كيف تذكرونه، لا تعدلوا عنه وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ من قبل الهدى لَمِنَ الضَّالِّينَ الجاهلين، لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه. وإن هي مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة ثُمَّ أَفِيضُوا ثم لتكن إفاضتكم مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ولا تكن من المزدلفة، وذلك لما كان عليه الخمس من الترفع «١» على الناس والتعالي عليهم وتعظمهم عن أن يساووهم في الموقف. وقولهم: نحن أهل اللَّه وقطان حرمه فلا نخرج منه، فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات؟ فإن قلت: فكيف موقع ثم؟ قلت: نحو موقعها في قولك: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، تأتى بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعد ما بينهما فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال: ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب والثانية خطأ. وقيل: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وهم الخمس، أى من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. وقرئ: من حيث أفاض الناس- بكسر السين- أى الناسي وهو آدم، من قوله: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) يعنى أن الإفاضة من عرفات شرع قديم فلا تخالفوا عنه وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ أى فإذا فرغتم من عباداتكم الحجية ونفرتم فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ فأكثروا ذكر اللَّه وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم. وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل. فيعدّدون فضائل آبائهم ويذكرون محاسن أيامهم.

أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً في موضع جرّ عطف على ما أضيف إليه الذكر «٢» في قوله: (كَذِكْرِكُمْ) كما


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «وذلك لما كان عليه الخمس من الترفع على الناس … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه:
وقد اشتملت الآية على نكتتين:
إحداهما: عطف الافاضتين إحداهما على الأخرى ومرجعهما واحد وهو الافاضة المأمور بها، فربما يتوهم متوهم أنه من باب عطف الشيء على نفسه، فيزال هذا الوهم بأن بينهما من التغاير ما بين العام والخاص، والمخبر عنه أولا الافاضة من حيث هي غير مقيدة، والمأمور به ثانيا الافاضة مخصوصة بمساواة الناس.
والثانية: بعد وضوح استقامة العطف كونه وقع بحرف المهملة وذلك يستدعى التراخي مضافا إلى التغاير، وليس بين الاضافة المطلقة والمقيدة تراخ. فالجواب على ذلك: أن التراخي كما يكون باعتبار الزمان قد يكون باعتبار علو المرتبة وبعدها في العلو بالنسبة إلى غيرها، وهو الذي أجاب به بعد مزيد نشيط وإيضاح
(٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «أشد معطوف على ما أضيف إليه الذكر … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: فعلى الأول يكون (أَشَدَّ) واقعاً على المذكور المفعول. ومثاله على الأول: أن يضرب اثنان زيداً مثلا، فيقول أيهما أشد ضرباً لزيد؟ فيوقعه على الضارب. ومثال الثاني أن يضرب زيد اثنين مثلا فتقول: أيهما أشد ضرباً؟ فتوقعه على المضروب. وعلى الوجه الأول يكون التفضيل على الفاعل وهو القياس. وعلى الثاني يكون التفضيل على المفعول وهو خلاف القياس. وقد ذكر الزمخشري في مفصله أنه شاذ بقولهم: أتسبل مرآة التحسين وأنا أسر منك، هذا في أمثلة عددها، فليت شعري كيف حمل الآية عليه وقد وجد غير ذلك سبيلا، وفي الوجهين جميعاً يفر من عطف أشد على الذكر الأول، لئلا يكون واقعاً على الذكر وقد انتصب الذكر تمييزاً عنه، فيكون الذكر ذاكراً وهو محال، لكن أبا الفتح صحح هذا الوجه وألحقه بباب قولهم: شعر شاعر، وجن جنونه، ونحوه مما بالغت العرب فيه حتى جعلت للصفة صفة مثلها تمكينا لثبوتها. ووضح ذلك أن انتصاب الذكر تمييزاً يوجب أن لا يقع أشد عليه، ويعين خروجه منه إما بأن يقع على الجثة الذاكرة بتأويل جعله ذاكراً، على ما صار إليه أبو الفتح أنك لو قلت: زيد أكرم أبا، لكان زيد من الأبناء: ولو قلت: زيد أكرم أب، لكان من الآباء. ويحتمل عطفه على الذكر أعنى وجها آخر سوى ما ذهب إليه أبو الفتح، وهو أن يكون من باب ما ذكره سيبويه قال: ويقولون هو أشح الناس رجلا، وهما خير الناس رجلا، وهما خير الناس اثنين، فالمجرور هنا بمنزلة التنوين، وانتصب الرجل والاثنين، كما انتصب الوجه في قولك: هو أحسن منه وجها، ولا يكون إلا نكرة، كما لا تكون الحال إلا نكرة، والرجل هو الاسم المبتدأ فإنما أراد بذلك أن هذا ليس بمثابة: هو أشجع الناس غلاماً فان هذا يجوز أن يكون غلاماً هو الاسم المبتدأ كما في المثال الأول، ويجوز أن يكون غيره فالآية على هذا الوجه الذي أوضحته منزلة على المثال الأول، فيكون ذكر المنصوب واقعاً على أشد كما كان الرجل المنصوب واقعا على أشح فكأنه قال: أو أشد الأذكار ذكراً، فهذه وجوه أربعة كلها مطروقة، إلا هذا الوجه الذي زدته، فان خاطري أبو عذرته (كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) ولم أقف على كلام الزمخشري فيها بعد.