للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ كقوله «فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه» «١» وكقولك: إذا ضربت غلامك فهوّن عليه، في أن المراد إرادة الفعل. فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟ قلت:

لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه، فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر، أى لا يقدران على الطيران والإبصار. ومنه قوله تعالى: (نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) يعنى إنا كنا قادرين على الإعادة، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأنّ الفعل مسبب عن القدرة والإرادة، فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما، ولإيجاز الكلام ونحوه من إقامة المسبب مقام السبب قولهم: كما تدين تدان، عبر عن الفعل المبتدأ الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه. وقيل: معنى قمتم إلى الصلاة قصدتموها لأنّ من توجه إلى شيء وقام إليه كان قاصداً له لا محالة، فعبر عن القصد له بالقيام إليه. فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة «٢» محدث وغير محدث، فما وجهه؟ قلت: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة، وأن يكون للندب. وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والخلفاء بعده، أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة «٣» . وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «من توضأ على طهر كتب اللَّه له عشر حسنات «٤» . وعنه عليه السلام: أنه كان يتوضأ لكل صلاة «٥» . فلما كان يوم الفتح مسح


(١) . قال محمود: «قوله إذا قمتم كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه … الخ» قال أحمد هذا الكلام يستقيم وروده من السنى، كما يستقيم من المعتزلي لأنا نقول: الفعل يوجد بقدرة العبد ملتبسا بها ومقارنا لها، والمعتزلي يقوله ويعنى مخلوقا بها وناشئا عن تأثيرها، فالعبارة مستعملة في المذهبين ولكن باختلاف المعنى، واللَّه الموفق.
(٢) . عاد كلامه. قال: «فان قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم … الخ» قال أحمد: الزمخشري أنكر أن يراد بالمشترك كل واحد من معانيه على الجمع، وقد سبق له إنكار ذلك ومن جوز إرادة جميع المحامل أجاز ذلك في الآية، ومن المجوزين لذلك الشافعي رحمه اللَّه تعالى. وناهيك بإمام الفن وقدوته. هذا إذا وقع البناء على أن صيغة «أفعل» مشتركة بين الوجوب والندب صح تناولها في الآية للفريقين المحدثين والمتطهرين، وتناولها للمتطهرين من حيث الندب، واللَّه أعلم.
(٣) . أخرجه البخاري من رواية عمرو بن عامر عن أنس بلفظ «عند كل» وزاد «قلت: كيف كنتم تصنعون قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث، والترمذي من رواية حميد عن أنس نحوه، وزاد «طاهرا وغير طاهر» ولمسلم من حديث يزيد «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: قد فعلته يا عمر» وسيأتى بعد قليل، ولأبى داود والحاكم وأحمد من حديث أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد اللَّه بن حنظلة بن الغسيل «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً أو غير طاهر. فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك» وقوله: «وكان الخلفاء بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتوضئون لكل صلاة: أخرجه ابن أبى شيبة والطبري من رواية أبى عوانة عن محمد بن سيرين قال: «كان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى اللَّه عنهم يتوضئون لكل صلاة» .
(٤) . أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما. قال الترمذي: إسناده ضعيف.
(٥) . تقدم التنبيه عليه وأن مسلماً أخرجه دون ذكر المسح. وكذلك أخرجه أصحاب السنن.