للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا تَقول ثَلَاثمِائَة فَتتْرك الْهَاء من ثَلَاث لِأَن الْمِائَة مُؤَنّثَة وَمِائَة وَاحِد فِي معنى جمع لمؤنث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول ثلاثٌ من البَطِّ لِأَنَّك تُصَيِّره إِلَى بَطَّةٍ قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد كَأَنَّك قلت لَهُ ثلاثُ بَطَّاتٍ من البَطِّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وتوقل لَهُ ثَلَاثَة ذكورٍ من الْإِبِل لِأَنَّك لم تجئ بِشَيْء من التَّأْنِيث وَإِنَّمَا ثَلَّثْتَ الذَّكَر ثمَّ جئتَ بالتفسير من الْإِبِل لَا تذْهب الهاءُ كَمَا أَن قَوْلك ذكورٌ بعد قَوْلك من الْإِبِل لَا تثبت الْهَاء قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن الحكم فِي اللَّفْظ للسابق من لفظ الْمُؤَنَّث أَو الْمُذكر فَإِذا قلت ثَلَاث من الْإِبِل أَو الْغنم ذُكُور نزعتَ الْهَاء لِأَن قَوْلك من الْإِبِل أَو من الْغنم يُوجب التَّأْنِيث وَإِنَّمَا قلت ذُكُور بعد مَا يُوجب تَأْنِيث اللَّفْظ فَلم تغير وَكَذَلِكَ إِذا قلت ثَلَاثَة ذُكُور من الْإِبِل فقد لزم حكمُ التَّذْكِير بِقَوْلِك ثَلَاثَة ذُكُور فَإِذا قلت بعد ذَلِك من الْإِبِل لم يتَغَيَّر اللَّفْظ الأول قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول ثَلَاثَة أَشْخُصٍ وَإِن عَنَيْتَ نسَاء لِأَن الشَّخْص اسْم مُذَكّر قَالَ أَبُو سعيد: هَذَا ضد الأوّل لأنّ الأول تؤنثه للفظ وَهُوَ مُذَكّر فِي الْمَعْنى وَهَذَا تذكره للفظ وَهُوَ مؤنث فِي الْمَعْنى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمثله قَوْلهم ثلاثُ أَعْيُنٍ وَإِن كَانُوا رجَالًا لِأَن الْعين مُؤَنّثَة قَالَ أَبُو سعيد: وَهَذَا يُشْبِه الأولَ وَإِنَّمَا أنثوا لأَنهم جعلُوا الرِّجَال كَأَنَّهُمْ أعينُ من ينظرُونَ لَهُم قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا ثلاثةُ أَنْفُسٍ لِأَن النَّفس عِنْدهم إنسانٌ أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ نَفْسٌ واحدٌ وَلَا يدْخلُونَ الْهَاء قَالَ أَبُو سعيد: النَّفس مؤنث وَقد حمل على الْمَعْنى فِي قَوْلهم ثَلَاثَة أنفس إِذا أُرِيد بِهِ الرِّجَال قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْخَطِيئَة:

(ثلاثةُ أَنْفُسٍ وثَلَاثُ ذَوْدٍ ... لقد جَار الزَّمانُ عَلَى عِيَالِي)

يُرِيد ثَلَاثَة أَنَاسِيَّ قَالَ: وَتقول ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وَهُوَ قَبِيح وَذَلِكَ أَن النسابة صفة فَكَأَنَّهُ لفظ بمذكره ثمَّ وَصَفَّهُ وَلم يَجْعَل الصفةَ تَقْوَى قُوَّةَ الِاسْم فَإِنَّمَا يَجِيء كَأَنَّك لَفَظْتَ بالمذكر ثمَّ وَصفته كَأَنَّك قلت ثلاثةُ رجالٍ نَسَّاباتٍ وَتقول ثلاثةُ دوابَّ إِذا أردتَ الْمُذكر لِأَن أصلَ الدَّابَّة عِنْدهم صفةٌ وَإِنَّمَا هِيَ من دَبَبْتَ فأجْرُوهَا على الأَصْل وَإِن كَانَ لَا يُتَكَلَّمُ بهَا إِلَّا كَمَا يتَكَلَّم بالأسماء كَمَا أَن أبطحَ صفة واسْتُعْمِلَ استعمالَ الْأَسْمَاء قَالَ أَبُو سعيد: الأَصْل أَن أَسمَاء الْعدَد تفسر بالأنواع فَيُقَال ثلاثةُ رجال وَأَرْبَعَة أثوابٍ فَلذَلِك لم يعْمل على تَأْنِيث مَا أضيف إِلَيْهِ إِذْ كَانَ صفة وقُدِّرَ قبله الْمَوْصُوف وَجعل حكم تذكير الْعدَد على ذَلِك الْمَوْصُوف فَيكون التَّقْدِير: ثَلَاثَة رجال نسَّابات وَثَلَاثَة ذُكُور دوابَّ وَإِن كَانُوا قد حذفوا الْمَوْصُوف فِي دَابَّة لكثرته فِي كَلَامهم كَمَا أَن أبطح صفة فِي الأَصْل لأَنهم يَقُولُونَ أبطحُ وبَطْحَاء كَمَا يُقَال أَحْمَر وحمراء وهم يَقُولُونَ كُنَّا فِي الأبطح ونزلنا فِي الْبَطْحَاء فَلَا يذكرُونَ الموصوفَ كَأَنَّهُمَا اسمان قَالَ سيبيوه: وَتقول ثلاثُ أَفْرَاس إِذا أردْت الْمُذكر لِأَن الْفرس قد ألزموه التَّأْنِيث وَصَارَ فِي كَلَامهم للمؤنث أَكثر مِنْهُ للمذكر حَتَّى صَار بِمَنْزِلَة القَدَم كَمَا أَن النَّفس فِي الْمُذكر أَكثر قَالَ أَبُو سعيد: أنث ثَلَاث أَفْرَاس فِي هَذَا الْموضع لِأَن لفظ الْفرس مؤنث وَإِن وَقع على مُذَكّر وَقد ذكره فِي الْبَاب الأول حَيْثُ قَالَ خمسةُ أَفْرَاس إِذا كَانَ الْوَاحِد مذكراً وَهَذَا الْمَعْنى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول سَار خمسَ عَشْرةَ من بينِ يَوْمٍ وَلَيْلَة لِأَنَّك أَلْقَيْتَ الاسمَ على اللَّيَالِي ثمَّ بيّنت فَقلت من بَين يَوْم وَلَيْلَة أَلا تَرَى أَنَّك تَقول لخمسِ بَقِينَ أَو خَلَوْنَ وَيعلم المخاطبُ أَن الأيامَ قد دخلتْ فِي اللَّيَالِي فَإِذا ألْقى الِاسْم على اللَّيَالِي اكْتفى بذلك عَن ذكر الْأَيَّام كَمَا أَنه يَقُول أَتَيْته ضحوة وبكرة فَيعلم الْمُخَاطب أَنَّهَا ضحوة يَوْمه وبكرة يَوْمه وأشباهُ هَذَا فِي الْكَلَام كثيرٌ فَإِنَّمَا قولُه من بَين يَوْم وَلَيْلَة توكيدٌ بَعْدَمَا وَقع على اللَّيَالِي لِأَنَّهُ قد علم أَن الْأَيَّام دَاخِلَة مَعَ اللَّيَالِي وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْجَعْدِي:

(فَطافَتْ ثَلَاثًا بَين يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ... وَكَانَ النكيرُ أَن تُضِيفَ وتَجْأَرا)

قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن الْأَيَّام والليالي إِذا اجْتمعت غُلِبَ التأنيثُ على التَّذْكِير وَهُوَ على خلاف الْمَعْرُوف

<<  <  ج: ص:  >  >>