من غَلَبَة التَّذْكِير على التَّأْنِيث فِي عَامَّة الْأَشْيَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن ابْتِدَاء الْأَيَّام والليالي لِأَن دُخُول الشَّهْر الْجَدِيد من شهور الْعَرَب بِرُؤْيَة الْهلَال والهلالُ يُرَى فِي أول اللَّيْل فَتَصِير اللَّيْلَة مَعَ الْيَوْم الَّذِي بعْدهَا يَوْمًا فِي حِسَاب أَيَّام الشَّهْر وَاللَّيْلَة هِيَ السابقةُ فَجرى الحكم لَهَا فِي اللَّفْظ فَإِذا أبهمتَ وَلم تذكر الْأَيَّام وَلَا اللَّيَالِي جرى اللَّفْظ على التَّأْنِيث فَقلت أقامَ زيدٌ عندنَا ثَلَاثًا تُرِيدُ ثَلَاثَة أَيَّام وثلاثَ لَيَال قَالَ الله عز وَجل: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً} [الْبَقَرَة: ٢٣٤] يُرِيد عشرةَ أَيَّام مَعَ اللَّيَالِي فأًجْرِيَ اللفظُ على اللَّيَالِي وأنث وَلذَلِك جرت الْعَادة فِي التواريخ بالليالي فَيُقَال: لخمسٍ خَلَوْنَ ولخمسٍ تَقَيْنَ يُرِيد لخمسِ ليالٍ وَكَذَلِكَ لاثْنَتَيْ عشرةَ لَيْلَة خَلَتْ فَلذَلِك قَالَ سارَ خمسَ عَشْرَةً فجَاء بهَا على تَأْنِيث اللَّيَالِي ثمَّ وَكَّد بقوله من بَيْنِ يَوم وَلَيْلَة ومثلُه قولَ النَّابِغَة:
(فَطَافَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ ... )
وَمعنى الْبَيْت أَنه يَصِفُ بقرة وحَشِيَّةً فَقَدَتْ ولدَها فطافت ثَلَاث لَيَال وأيامَها تَطْلُبُهُ وَلم تَقْدِرْ أَن تُنْكِر من الْحَال الَّتِي دُفِعَتْ إِلَيْهَا أَكثر من أَن تَضِيفَ وَمَعْنَاهُ تَشْفِقُ وتَحْذَرُ وتَجْأَرُ - مَعْنَاهُ تَصْيحُ فِي طلبَهَا لَهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول أعطَاهُ خمسةَ عشَرَ من بَين عبد وَجَارِيَة لَا يكون فِي هَذَا إِلَّا هَذَا لِأَن المتكلمَ لَا يجوز أَن يَقُول لَهُ خَمسَةَ عَشَرَ عَبْداً فَيعلم أَن من الْجَوَارِي بعدَّتهم وَلَا خمس عشرَة جَارِيَة فَيعلم أَن ثُمَّ من العبيد بعدتهنَّ فَلَا يكون هَذَا إِلَّا مختلطاً يَقع عَلَيْهِم الِاسْم الَّذِي بُيِّنَ بِهِ العددُ قَالَ أَبُو سعيد: بَيَّنَ الفرقَ بَين هَذَا وَبَين خمس عشرَة لَيْلَة لِأَن خمس عشرَة لَيْلَة يعلم أَن مَعهَا أَيَّامًا بعدَّتها وَإِذا فَإِذا قلت خمس عشرَة بَين يَوْم عشرَ عَبيدٌ وبعضُها جوَار فاختلط الْمُذكر والمؤنث وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْأَيَّام فَوَجَبَ التَّذْكِير قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز فِي الْقيَاس خَمْسَة عشر من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَلَيْسَ بِحَدّ كَلَام الْعَرَب قَالَ أَبُو سعيد: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لأَنا قد نقُول ثَلَاثَة أَيَّام وَنحن نريدها مَعَ لياليها كَمَا تَقول ثَلَاث لَيَال وَنحن نريدها مَعَ أَيَّامهَا قَالَ الله تَعَالَى لزكريا عَلَيْهِ السَّلَام: {آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثلاثةَ أيَّامٍ إِلَاّ رَمْزاً} [آل عمرَان: ٤١] وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مَرْيَم: ١٠] وَهِي قصَّة وَاحِدَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول ثلاثُ ذَوْدٍ لِأَن الذَّوْد أُنْثَى وَلَيْسَ باسم كُسِّرَ عَلَيْهِ مُذَكَّرٌ قَالَ أَبُو سعيد: ثَلَاث ذَوْدٍ يجوز أَن تُرِيدُ بِهن ذُكُورا وتؤنث اللَّفْظ كَقَوْلِك ثَلَاث من الْإِبِل فالذَّوْدُ بِمَنْزِلَة الْإِبِل وَالْغنم قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما ثَلَاثَة أَشْيَاء فقالوها لأَنهم جعلُوا أَشْيَاء بِمَنْزِلَة أَفعَال لَو كَسَّرُوا عَلَيْهَا فَعْلاً وَصَارَ بَدَلا من أَفعَال قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن أَشْيَاء وَإِن كَانَ مؤنثاً لَا يُشْبِه الذَّوْدَ وَكَانَ حق هَذَا على مَوْضُوع سِيبَوَيْهٍ الظَّاهِر أَن يُقَال ثَلَاث أَشْيَاء لِأَن أَشْيَاء اسْم مؤنث وَاحِد مَوْضُوع للْجمع على قَوْله وَقَول الْخَلِيل لِأَن وَزنه عِنْده فَعْلَاء وَلَيْسَ بمكسر كَمَا أَن غنما وإبلاً وذَوْداً أَسمَاء مُؤَنّثَة وَلَيْسَت بجموع مكسرة فَجَعَلَ واحدَ كُلِّ اسمٍ من هَذِه الأسماءِ كَأَنَّهُ مؤنث فَقَالُوا جَعَلُوا أَشْيَاء هِيَ الَّتِي لَا تَنْصَرِف ووزنُهَا فَعْلَاء نائبةٌ عَن جمع شَيْء لَو كسر على الْقيَاس وَشَيْء إِذا كسر على الْقيَاس فحقه أَن يُقَال أَشْيَاء كَمَا يُقَال بَيْتٌ وأَبْيَاتٌ وشَيْخٌ وأَشْيَاخٌ فَقَالُوا ثَلَاثَة أَشْيَاء كَمَا يُقَال ثَلَاثَة أَشْيَاء لَو كسروا شَيْئا على الْقيَاس قَالَ سِيبَوَيْهٍ: ومثلُ ذَلِك ثلاثةُ رَجْلَة فِي جمع رَجُل لِأَن رَجْلَة صَار بَدَلا من أَرْجَال قد أَبُو سعيد: أَرَادَ أ، هم قَالُوا ثَلَاثَة رَجْلَة ورَجْلَة مؤنث وَلَيْسَ بِجمع مكسر لِأَن فَعْلَةٌ لَيْسَ فِي الجموع المكسرة لأَنهم جعلُوا رَجْلَة نَائِبا أعْجَازٍ وأَعْضَادٍ وَلَيْسَت الإبلُ وَالْغنم والذَّوْدُ من ذَلِك لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم يُونُس عَن رؤبة أَنه قَالَ: ثَلَاث أنْفُسٍ على تَأْنِيث النَّفْسِ كَمَا يُقَال ثَلَاث أَعْيُنٍ للعَيْنِ من النَّاس وكما يُقَال ثلاثةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute